للطبيعة غضب لا يظهر في الخريف
حين تجوع بشدة،
ويجف كل ما عليها ويهجرها المطر
ولا في الشتاء حين يلتهم الجليد
كل الأصوات الحية
وتتحول الأشجار إلى أشباح ليلية
لا يراها سوى الأطفال في القصص
ولا حين تلقي برداء الصمت
أمام الأبواب
وتحت النوافذ
وفي باطن الأرض تبقى البذور
أجنة مسجونة إلى أجل بعيد
لا، لا تُظهر غضبها حين
تشرب وتشرب أرضها من المياه الملوثة
دون أن تتذمر وذلك لأن من واجبها
أن تنقذنا دائماً، أن تعطي المياه العذبة من جوفها
باستمرار
هنا وهناك تلقي بأجزاء منها ميتة تبدو
وكل ما عليها يطفو من قذارة
يظل في مكانه دون أن تشتكي
وتبقى لئلا تفقد الحياة معناها
تنثر خضارها بنهم مستمر
لتغطي القذارة
لتحمي أبناءها
ولئلا تذوب الحشائش ويظل ربيعها أبدا
....
إنها الأم... ولكن
يظهر غضبها
حين يكون كل شيء مثالي
حين نظن بأنها تحبنا بلا شروط، بلا قيود
وأنها تهبنا طمأنينة الأم دون مقابل
وتحتضننا بداخلها أبدا
فالحياة تكون حيث نكون وحين نكون
ولكنها تغضب
تثور لتخبرنا بأنها ساخطة
تثور لتخبرنا بأن غضب الأم يشبه اللعنة
الآن هي لم تعد تريد أن تعطي
الآن هي لم تعد تقدر
فتصرخ بصوت لا يعرفه إلا من يسمعه
صوت لا تصفه الكلمات
بل كالبركان، كالزلازل كالعواصف والفيضانات
شيء يشبه النهاية لكل ما هو في أحشائها
لا يقتل بل ينتزع الطمأنينة التي كانت
ينتزع الراحة والشبع.
الكلام والضحكات
كأنها لم تكن
يجعل القلب يغرق في الموت ولا يموت
يتمنى النهاية ولا يصلها
يراها، يراقبها تقترب، ينصت لها ولكن
لا يلمسها بل يغرق بداخلها
حتى يظن بأن الخلاص مستحيل
وأن الفراق آت
هذا لأن للطبيعة وجهين
نهيم في الأول
ولم نكن نؤمن بالآخر
حتى يدركنا
نتعلق بالأول ونغفل عن الآخر
بل نحب ونبكي ونخيط الذكريات
على ظهر الأول
دون أن ننظر للأحشاء الثائرة
ولأن الطبيعة كانت رحيمة بنا
بل لأنها دائماً رحيمة
لا تُرينا إلا القليل
مجرد هزات بسيطة
وحروب باردة
وبراكين تُصبح خامدة
بل لأنها رحيمة
لا تنتزع منا سوى الكراهية
لا تنتزع سوى ما لم يكن فينا
ما أورثه الشيطان
بل لأنها الأم
تطرق الأبواب إن لزم الأمر
لتوقظنا معاً
لترينا ما يذكرنا بإنسانيتنا
وتجمعنا
لتنقذنا وننقذها.
** **
- علا الحوفان