حمّاد بن حامد السالمي
* ها نحن نصل إلى الجزء الثاني من قصيدة العالم المسلم الإمام (القفال الشاشي ت 365هـ)، الذي رد بها على سخريات وتهديدات الطاغية الرومي (نقفور فوقاس- قتل 359هـ). وهو الجزء السابع والأخير من المقال الذي تتبعنا فيه ما جاء في قصيدة (نقفور فوقاس) العربية من إساءات ضد خليفة المسلمين في بغداد أوان ذاك (المطيع لله)، ومن سخرية مقذعة من عموم المسلمين، ومن تهديد لهم باجتياح ديارهم واستعبادهم، ثم عرضنا لقصيدة الرد من (الإمام ابن حزم الأندلسي) الذي عاش بعد نقفور، لكن كان متأثرًا بقصيدة هذا الطاغية، وصولًا إلى الإمام القفال الذي نحن بصدد الجزء الثاني والأخير من قصيدته.
* الإمام القفال هنا يرد على نقفور بخصوص أمانيه في الفتوح فيقول:
وعدَّدتَ بلدانًا تريد افتتاحها
وتلك أمانٍ ساقها حُلمُ حالمٍ
ومَن رام فتح الشرقِ والغرب ناشرًا
لدين صليب فهو أخبثُ رائمِ
ومن دان للصلبان يبغي به الهدى
فذاك حمار وسمه في الخراطم
* ويصل إلى نفي العصمة عن نقفور المثلِّث التي يدعيها في قصيدته:
وليس وليًا للمسيح مثلِّث
فيرجوه نقفور لمحو المآثم
وعيسى رسول الله مولود مريم
غذته كما قد غذيت بالمطاعم
وأما الذي فوق السماوات عرشه
فخالق عيسى وهو محيي الرمائم
وما يوسف النجار بعلًا لمريم
كما زعموا أكذب به قول زاعم
* أما الديانة المسيحية الصحيحة- وليس المحرفة- ففيها نبوءة برسولنا صلى الله عليه وسلم، ولكن أين نقفور وأتباعه منها:
وإنجيلهم فيه بيان لقولنا
وبشرى بآيات بعد للرسل خاتم
وسماه بارقليط يأتي بكشف ما
أتاهم به من حمله غير كاتم
وكان يسمى بابن داود فيهم
بحيث إذا يدعى به في التكالم
وهل أمسك المنديل إلا لحاجة
وهل حاجة إلا لعبد وخادم
* أما الرسل جميعهم- ومنهم عيسى عليه السلام- فهم بشر، يطالهم الموت مثل غيرهم، وليس كما يدعي المثلِّثون:
وإن كان قد مات النبي محمد
فأسوة كل الأنبياء الأعاظم
وعيسى له في الموت وقت مؤجل
يموت له كالرسل من آل آدم
فإن دفعوا هذا فقد عجلوا له
وفاة بصلب وارتكاب صيالم
صيالم من إكليل شوك وأحبل
يجر بها نحو الصليب ولاطم
وإن يكن أولاد لأحمد جرعوا
شدائد من أسر وجز جماجم
فعيسى على ما تزعمون مجرع
من القتل طعمًا مثل طعم العلاقم
ويحي وزكريا وخلق سواهما
أكارم عند الله نجل أكارم
تولتهمُ أيدي الطغاة فلم تنل
قضاياهم من ذاك وصمة ناظم
* ويأتي إلى تفنيد ادعاءات نقفور، وأن في العرب وحتى في الهند والسند والصين والترك من تأخذه الغيرة والحمية للدفاع عن دين الإسلام الحنيف:
فمن مبلغ نقفور عني مقالتي
جوابًا لما أبداه من نظم ناظم
لئن كان بعض العُربِ طارت قلوبهمْ
أو ارتدَّ منهم حشوةٌ كالبهائمِ
لقد أسلمت بالشرق هند وسندها
وصين وأتراك الرجال الأعاجم
بتدبير منصور بن نوح وجنده
وأشياخه أهل النهى والعوائم
وإن تك بغداد أصيبت بملكها
وصارت عبيدًا للعبيد الديالم
فللحقِّ أنصارٌ ولله صفوةٌ
يذودون عنه بالسيوف الصوارمِ
فمن عرب غلب ملوك بغالب
ومن عجم صيد ملوك بهازم
فبالدين منهم قائم أي قائم
وللملك منهم هاشم أي هاشم
جزى الله سيف الدولة الخير باقيًا
وأكرمه بالفاضلات الكرائم
وألبس منصور بن نوح سلامة
تدوم له ما عاش أدوم دائم
هما أمنا الإسلام من كل هاضم
وصانا بناء الدين عن كل هادم
* وهذا وعيد وتهديد في وجه نقفور المتغطرس وعدوانه:
ومن مبلغ نقفور عني نصيحة
بتقدمة قدام عضّ الأباهم
أتتك خراسانُ تجرُّ خيولها
مسوَّمةً مثل الجراد السوائمِ
كهولٌ وشبَّانٌ حماة أحامسِ
مَيَامِنُ في الهيجاء غيرُ مشائمِ
غزاةٌ شَرَوا أرواحَهم مِن إلههمْ
بجنَّاته واللهُ أوفَى مساومِ
فإن تعرضوا فالحق أبلج واضح
معالمه مشهورة كالمعالم
تعالوا نحاكمكم ليحكم بيننا
إلى السيف إن السيف أعدل حاكم
سيجري بنا والله كافٍ وعاصم
لنا خير واف للعباد وعاصم
* ثم يرد عليه أمله في فتح بلاد المسلمين، بأمل المسلمين في فتح القسطنطينية:
ونرجو بفضل الله فتحًا معجَّلًا
ننال بقسطنطين ذات المحارمِ
هناك ترَى نقفور واللهُ قادرٌ
ينادَى عليه قائمًا في المقاسمِ
ويجري لنا في الروم طرًّا وأهلها
وأموالها جمعًا سهامُ المغانمِ
فيضحك منَّا سِنُّ جذلانَ باسمٍ
ويُقرع منه سنُّ خزيانَ نادمِ
وإن تُسْلِموا فالسلمُ فيه سلامةٌ
وأهنأ عيشٍ للفتى عيشُ سالم
* أخيرًا.. هذه معركة شعرية حامية، بدأها نقفور فوقاس بقصيدة عربية من وضع عربي أو مسلم ولائي رغالي كتبها له، وله في عصرنا نماذج كثيرة تخون أوطانها للفرس وللغرب والشرق مع الأسف. ولهذا قلنا عنها: (ما أشبه الليلة بالبارحة)، حيث ما زال في العرب والمسلمين؛ من يتذيل ويترغل بدون خجل ولا حياء. ثم تظل الغلبة دائمًا للمعركة الكبرى التي يكون الحكم فيها للسيف كما أنبأ بذلك شاعرنا أبو تمام بقوله:
السيفُ أصدقُ أنباءً مِن الكتبِ
في حدِّه الحدُّ بين الجد واللعبِ
* ولمن أراد الرجوع للأجزاء الستة الفارطة فهذه روابطها:
1- https://www.al-jazirah.com/2023/20230115/ar2.htm
2- https://www.al-jazirah.com/2023/20230122/ar2.htm
3- https://www.al-jazirah.com/2023/20230129/ar2.htm
4- https://www.al-jazirah.com/2023/20230205/ar2.htm
5- https://www.al-jazirah.com/2023/20230212/ar2.htm
6- https://www.al-jazirah.com/2023/20230219/ar2.htm