د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يبقى الوطن هو الحاضر الجميل الذي يحيطنا منذ مدارجنا عليه ولا يزال! ويظل الانتماء للوطن هو التوقيع المحكي والمرسوم خلفية باذخة لكل فواتح الولاء الفِطْري الذي كفانا الشعر فلسفته بقوله:
وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخُلد نفسي
وتنسجم تلك الخلفية مع طبيعة الرصد المجتمعي لكل الطاقات التي تنشأ وتتشكَّل في صور شتى من العلائق عندما تنهض قيمة الاحتفاء بتأسيس الكيان الوطني وبدايات المسير نحو القمة بتوفيق الله وتتصدر القيم الإنسانية كل المعطيات التي تنشق عنها حضارة أرضنا منذ البدايات «يوم بدينا»، فعندما يحملنا الحديث عن حقبة التأسيس وقواعدها وتجلياتها فيجب أن ندرك حقيقة قيام نوع من الحكم والحكومة في القرون التي سبقتْ توحيد وطننا الغالي على يد الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه - الذي جاء وأهل الجزيرة العربية قد ألفوا الحكم والحكومات في حقبة التأسيس التي احتفت بلادنا بذكراها في الثاني والعشرين من شهر فبراير الحالي وفي كل عام -بإذن الله - منذ الإمام محمد بن سعود والأمراء من بعده من آل سعود؛ فلما انشق الزمن عن معطيات عهود الوحدة توالت العطاءات في الجزيرة العربية غِزاراً! ونبتت وشائج الأمن والاستقرار في كل منعطف وبقيت الأرض بين التأسيس والوحدة خضراء عامرة؛ فكانت بلادنا المملكة العربية السعودية وجهة روحية حضارية باسقة ترسل شموسها للعالم ويمثِّلُ زمن الاحتفاء بذكرى تأسيس بلادنا الكيان الشامخ الذي يتجاوز معطيات الصراع إلى مستويات عظيمة من الحضارة والتحضّر والمسير قدماً نحو المعالي عندما استطاع الملك عبدالعزيز -رحمه الله - أن يفجِّر من غمار الرمال أمة جديدة وصنع -رحمه الله - القرارات الداعمة للبناء الوطني في محيطه الكبير، فكانت ذكرى التأسيس تاريخاً مجيداً يصطف مع معطيات فجرنا الجديد ليكتب عراقة تاريخنا الذي صنعه رجال أبطال باختيار العقول الواعية لتجعل من يوم التأسيس نهراً يصبُّ في إهاب الوطن في عهوده المزهرة بعد توحيد الكيان؛ ولقد أدركتْ قيادتنا الرشيدة سيرورة الوجود التاريخي لبلادنا منذ تأسيسها في إمارة الدرعية منذ ثلاثة قرون مضت إلى العهد الحاضر وكيف انتظمت المجموعات البشرية في البيئات المختلفة؛ فكانت منهجية الحكم وعدل الحاكم مركباً للوصول إلى ترسية قواعد الحكم الرشيد، وعقد أواصر مثلى من الانتماء الوطني لذلك التاريخ العريق. فالتأسيس حدث وأحداث وأحلام وطنية نحو المحلية الفاخرة والعالمية المتمكنة، والتأسيس أفعال إيجابية صنعها الأجداد نحو طموحات الوطن في الحاضر ومفاتيح الاستباق لتحقيقها من أجل المستقبل؛ والتاريخ العريق يفهمه نخبة العارفين، ويحمله عامة الناس هدية وتجليات مفكرة وطنية زاخرة بمفردات الانتماء اصادق، وفعاليات يوم التأسيس منبرٌ قوي نجحتْ في صناعة الفرحة، وتمتين الانتماء الوطني في وجدان الشعب، وجذبهم لكل نقطة ضوء في ردهات الوطن؛ ورفع الإحساس بمقدرات الأرض وبناء هرم تراكمي من الوعي بالأمن والسلام الذي ينداح على أرض بلادنا الغالية؛ ورسَّخ حينها سلوكنا واستجابتنا في طقوس مختارة من الولاء الوطني العميق؛ ففي مرتبعات الوطن ومفاوزه وحدوده يوقد التاريخ الوطني الناضج ناراً يراها الجميع ويمتاح منها الدفء. فالمعرفة الغزيرة بالامتداد التاريخي لوطننا منذ التأسيس 1139 إلى توحيد هذا الكيان الشامخ المملكة العربية السعودية 1351 ؛ هو امتداد يحملُ الشموع، ويعلِّم الناس كيف يحبون بعضهم ومن ثم يحبون وطنهم ويكونون فرساناً على ثغوره؛ ويرصفون أهدافهم نحوه بماء الذهب؛ فالتاريخ الوطني من جذوره وتأسيسه عنوان توجيه للمجتمع، وحصيلة مجزية نحو صناعة الولاء الوطني والافتخار والفخار بهذا الوطن الذي لا تشبهه الأوطان بناه حكامه وصنع نهضته رجاله، ولم ترسمه على خارطة العالم قوى أجنبية!
يقول خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله:
نعتزّ بذكرى تأسيس هذه الدولة المباركة في العام 1139هـ (1727م)، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم؛ أرست ركائز السلم والاستقرار وتحقيق العدل.
وإن احتفاءنا بهذه الذكرى؛ هو احتفاءٌ بتاريخ دولة، وتلاحم شعب، والصمود أمام كل التحديات، والتطلع للمستقبل.
بوح في آفاق الوطن:
صحراء نجدٍ أشرقتْ أنوارا
ثم انحنتْ قممُ الحجازِ وقارا
واستحيتِ «الدهناءُ» من دهمائها
لما أبيحتْ للإمام جِهارا