صيغة الشمري
تحتفل مملكتنا بذكرى التأسيس، ذكرى 3 قرون من عمر الدولة السعودية، من الإمام محمد بن سعود رحمه الله، وحتى الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وبينهما مئات المحطات المفصلية والشخصيات التاريخية منذ عام 1727 التي كان لها دور محوري في التأسيس والبناء والحفاظ على كينونة الدولة وتقدمها وتطورها.
لكننا للأسف مقصرون في سرد تاريخنا وإبراز أبطاله وصُنّاعه، فيما تستعرض دول أخرى - لم يصل عمر تأسيسها سن الرشد - بكل الوسائل تاريخها ورموزها الوطنيين، فأين نحن من ذكرى الأجداد والآباء المؤسسين؟ ماذا فعلنا لرد جميلهم وهل أوفيناهم حقهم بل هل أوفينا نحن لهم؟ والوفاء هنا لا يقتصر على الحفاظ على إرثهم وتعزيز منجزاتهم وتعظيمها، بل في إبقاء سيرتهم حاضرة في المدارس والجامعات والإعلام والدراما.
ما دفعني لقول ذلك، الحديث المثار مؤخرا حول العمل الرمضاني المرتقب الذي يتناول سيرة الصحابي والخليفة معاوية بن ابي سفيان، مؤسس الدولة الأموية في الشام، وله ينسب تأسيس اللبنة الأولى للامبراطورية الإسلامية التي حكمت العالم آنذاك. وهذا العمل إنتاج سعودي ضخم، في خطوة وإن كانت متأخرة إلا أنها في غاية الأهمية، فتأثير الدراما في صناعة الوعي لا يوازيه شيء في هذا الزمان، ونحن بأمس الحاجة اليوم لنفض الغبار عن تاريخنا لنفرد أوراقه ونستعرض خباياه ونضعه على طاولة النقاش والبحث والنقد والتصحيح والتوضيح، فمن حق الأجيال الناشئة أن تسمع التاريخ كما يجب أن يحكى دون حياء أو تجميل، بل بعين استقصائية نقدية لنتعلم ونستفيد حتى من أخطاء تلك الحقبات التاريخية.
وليست مصادفة أن مصدر حملة التشويه الممنهجة التي تعرض لها الخليفة معاوية بن أبي سفيان منذ سقوط الخلافة الأموية، هو ذاته الذي استهدف ويستهدف المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، ذات العدو الذي سعى على مدار قرون لشيطنة معاوية ودولته يسعى اليوم لشيطنة السعودية، والاثنين، أي معاوية والسعودية، لم يجدا من يرد عنهم هذه الحملات المسمومة إلا من رحم ربي، لكننا اليوم نشهد خطوة تصحيحية تنصف التاريخ وترد الأقلام المأجورة إلى نحور أصحابها.
لا نتحدث عن صناعة دراما بل مرافعة تاريخية، نسرد فيها الحقائق والبراهين، ونعيد الحق لأصحابه، ونحاكم المجرم، لنترك للأجيال الحكم على تاريخ بلادهم وأمتهم وكلنا ثقة أنهم سيتباهون بالمؤسسين، وسيشعرون بالفخر بأنهم ورثتهم.
لا يوجد في تاريخنا ما نخجل منه حتى نتركه حبيس الكتب المهترئة يلوكها المضللون والمزورون، فحين ينتهي العمل على مسلسل معاوية، سيكون لزاما علينا أن نبدأ بالتأسيس لسلسلة تاريخية تتناول سيرة مؤسسي الدولة السعودية بإنتاج ضخم يضاهي الأعمال التاريخية العالمية. لنتحدث بصوت عالٍ فلم يعد الصمت يليق بنا.