اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
يعد احتفاء المملكة بيوم تأسيسها ضرورة حتمية انطلاقاً من أن الماضي يشكل الأساس الذي يبنى عليه الحاضر ويُسترشد به نحو المستقبل، بوصف زمن التأسيس بالنسبة للأمة يمثل رصيداً ثابتاً من إنجازات الماضي التي يؤسس عليها الحاضر والمستقبل، وقد قيل عن الماضي: أنه ذخر ممتنع لا تصل إليه يد الحوادث ولا تنال منه المنغصات.
وهذا يعني أن الماضي بما فيه من إيجابيات وسلبيات يتحول مرجعاً تُستخلص منه الدروس والعبر التي تخدم الحاضر والمستقبل حيث إن التمتع بالحاضر وازدهاره يتطلب تذكر الماضي والاستفادة من نجاحاته وإخفاقاته من خلال تعهد الأولى وتطويرها وأخذ العظة والاعتبار من الثانية تفادياً لتكرارها، لأن الذي لا يتذكر الماضي ولا يستفيد منه محكوم عليه بأن يكرر الأخطاء.
ومراحل التأسيس بالنسبة للمملكة هي الكنز الثمين الذي لا غنى عن الاحتفاء به واستذكاره باستمرار للانتفاع به والاسترشاد بما يحفل به من أعمال جسيمة وتضحيات عظيمة تنم عن سلامة السيرة وطهارة السريرة واستقامة الأخلاق ونظافة الأعراق التي يتصف بها قادة المملكة خلفا عن سلف وكابر عن كابر.
وانطلاقاً من أن الماضي تتم المحافظة عليه عن طريق الحاضر، ومعرفة الماضي والحاضر تقود إلى معرفة المستقبل، فقد أدرك الملك سلمان بن عبدالعزيز بفضل بعد نظره وسابق خبرته أهمية يوم التأسيس وقيمته التاريخية على المستوى الوطني والشعبي، حيث أصدر أمره الكريم بالاحتفاء باليوم الذي تأسست فيه الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، وهو يوم يجسد مرجعية تاريخية ومفخرة وطنية، تشهدان على بطولات القادة وتضحيات الأمة ودورهم في صناعة التاريخ.
والماضي وما يحفل به من مآثر وانتصارات يمثل الدافع المعنوي بالنسبة للحاضر الذي يشكل جسراً يتم العبور من خلاله إلى المستقبل، ورمزية يوم التأسيس ودلالاته تجعله يستحق الاحتفاء، تقديراً للماضي وما بذله الآباء والأجداد من بطولات وتضحيات، وشكراً للحاضر وما قام به الأبناء والأحفاد من جهود جبارة أسفرت عن الكثير من الإنجازات والمكتسبات، وتطلعاً إلى المستقبل وما يتميز به من ابتكارات وتقنيات.
والانتصارات العظيمة والأعمال الصالحة والمواقف الناجحة في الماضي لا يقلل من شأنها ما صادفها من منغصات واعترض طريقها من صعوبات وشاب مسيرتها من مؤامرات، بل يزيد ذلك من قيمة النجاح الذي يغطي الهفوات ويتجاوز العثرات، والفشل أحياناً هو الطريق إلى النجاح، والمواظبة وثبات الهدف من الأمور الكفيلة بتحقيق ذلك.
ويوم التأسيس هو يوم وطني مشهود والاحتفاء به يهدف إلى توثيق العلاقة بين القائد والمقود، والربط بين الماضي والحاضر وزرع ثقة المواطن في قادته وتعزيز انتمائه إلى وطنه وإبراز مسيرة الأمة عبر ثلاثة قرون خلت، وما تخللها من مواقف وأحداث تكشف عن مظاهر الانتماء الوطني والصمود أمام الأعداء.
والاحتفال بهذا اليوم واعتباره يوماً من أيام الوطن الخالدة يشار إليه بالبنان وله مكان في الوجدان، حيث يعتبر بداية لمرجعية تاريخية تجلّت في قيام الدولة السعودية الأولى التي امتد أثرها وتأثيرها إلى قيام الدولة السعودية الثانية التي استمرت ردحاً من الزمن، وقامت بجملة من الإصلاحات وخاضت الكثير من الصراعات.
وقد تم تتويج كل ما سبق بنقلة نوعية شاملة ومرجعية وطنية وتاريخية فاعلة على يد الملك عبدالعزيز الذي وحد كلمة الأمة وجمع شتاتها وبنى أمجادها تحت راية واحدة لدولة واعدة هي المملكة العربية السعودية التي علا شأنها وارتفع مكانها في عهد أبنائه وصولاً إلى عهد الملك سلمان وولي عهده وهو العهد الذي أصبح الحزم والعزم شعاراً له، وكرست فيه المملكة وجودها في ميدان المنافسة مع الدول الأخرى وتجلى نورها وبرز ظهورها حتى صار لها مكانٌ محسوب وجانب مرهوب في المعترك الدولي تحت شعار الحزم والعزم وكما قال الشاعر:
الحزم قبل العزم فاحزم واعزم
وإذا استبان لك الصواب فصمّم
وقال آخر:
بصحة العزم يعلو كل معتزم
وما جلا غمرات الهمِّ كالهمم
والمملكة عبر مراحل تاريخها ومسيرة تطورها أثبتت أصالتها وعراقة حضارتها من جهة، ومعاصرتها ومسايرتها لروح العصر من جهة أخرى، ويوم التأسيس يعتبر تذكيرا بماضيها الموغل في القدم الذي يؤكده إرثها العريق، وتشهد عليه مسيرتها الوطنية عبر أطوارها الثلاثة التي انتقلت منها من الكفاح إلى النجاح حتى بلغت مصاف الدول المتقدمة في جميع مجالات الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية والاجتماعية، جامعة بين الاعتزاز بالماضي وإثبات الوجود في الحاضر، والتطلع إلى المستقبل في ظل قيادة حكيمة عادلة تحسب لكل أمر حسابه وتضعه في نصابه، ووجود شعب مخلص يلتف حول قيادته ويضع إرادتها أمام إرادته.
والتذكير بهذه المناسبة الوطنية والاحتفاء بها بالإضافة إلى ما يهدف إليه ذلك من أهداف وما له من دلالات تخدم الانتماء الوطني والتلاحم الاجتماعي بين المواطنين وارتباطهم بقادتهم، فإن تأصيل الماضي وتوضيح مآثره والاعتزاز به يعزز رؤية 2030 ويخدم عملية التطوير والتغيير التي تمر بها المملكة عن طريق التفاعل مع أهداف الاحتفاء وفعالياته والتجاوب مع مظاهر الانتماء ولزومياته.
ويوم التأسيس اعتبرته القيادة مناسبة وطنية وأقرّت الاحتفاء به لأهداف سامية، وأحاطته بفعاليات هادفة، ومنحت إجازة للمواطنين للاحتفاء به بما يليق به ويحقق مقاصده بعيداً عن أي انحراف به عن مساره المرسوم وهدفه المعلوم.
ومطلوب من المواطن أثناء عملية الاحتفاء بالمناسبة أن يعلم علم اليقين أن فعالياتها ونشاطاتها تتسع لكل ما هو إيجابي وجميل، فيستغلها فيما ينبغي على ما ينبغي، آخذاً في الحسبان أن عدم تقدير المواقف وتجاهل أهدافها يضيّع فائدتها في حين أن صاحب الهدف المعروف والمسلك المألوف يجني ثمار عمله ويتحقق أمله.