د. تنيضب الفايدي
أصبحت مقنا مدينة على نهاية ساحل البحر الأحمر عند بداية خليج العقبة، وهي ميناء تاريخي قديم، ولعلّ بعض التسميات المتوارثة بها حالياً مثل عين موسى، وكذلك التسميات في البدع (مغاير شعيب) التي تبعد عنها ما يقارب (20) كيلومتراً، أقول: لعلّ تلك التسميات لها علاقة بنبي الله موسى عليه السلام، وتلك المعلومات تحتاج إلى تدقيق وبحث، ولاسيّما أن تلك الدلائل تشير إلى أن موسى عليه السلام عندما خرج من مصر خائفاً نزل بـ(ميناء مقنا) وذلك في خروجه الأول، حيث لم يمرّ بصحراء سيناء، ولم تكن هناك قناة في ذلك التاريخ، وهي (أي: مقنا) حالياً مدينة جميلة تشتهر بأجمل وأنظف شاطئ على البحر الأحمر، حيث يمكنك رؤية الرمال والشعب المرجانية داخل قاع البحر من صفائه، وتميزت بموقعها حيث تلتقي الجبال والرمال الناعمة التي تميل إلى اللون الأبيض مع بحرها الهادئ ليشكل الجميع موقعاً سياحياً متفرداً، كما أن الرمال الذهبية على ساحله تغريك بالإقامة للتمتع بالجمال الطبيعي والمناظر الخلابة في بيئة عذراء، إضافة إلى بساتين الفواكه والنخيل، ولـ(مقنا) تاريخٌ موغلٌ في القِدم حيث ذكر بأنها وقعت تحت حكم اليونانيين والرومانيين، وقد عثر على كثير من الجماجم الغريبة الشكل في طوله.
كما أن لها علاقة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث وجّه صلى الله عليه وسلم رسالة إلى أهل مقنا تنص على ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم، من: محمد رسول الله. إلى: بني جنبة وإلى أهل مقنا. أما بعد: فقد نزل عليّ أيتكم راجعين إلى قريتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا فإنكم آمنون لكم ذمة الله وذمة رسوله، وإن رسول الله غافرٌ لكم سيئاتكم وكلّ ذنوبكم، وإن لكم ذمة الله وذمة رسوله لا ظلم عليكم ولا عدى، وإن رسول الله جاركم مما منع منه نفسه، فإن لرسول الله بزكم وكل رقيق فيكم والكراع والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله أو رسول رسول الله، وإن عليكم بعد ذلك ربع ما أخرجت نخلكم وربع ما صادت عروككم وربع ما اغتزل نساؤكم، وإنكم برئتم بعد من كل جزية أو سخرة، فإن سمعتم وأطعتم فإن على رسول الله أن يكرم كريمكم ويعفو عن مسيئكم.
أما بعد: فإلى المؤمنين والمسلمين من أطلع أهل مقنا بخير فهو خير له، ومن أطلعهم شراً فهو شر له، وأن ليس عليكم أمير إلا من أنفسكم أو من أهل رسول الله، والسلام». مجموعة الوثائق السياسية لـ: محمد حميد الله (ص120).. وقوله صلى الله عليه وسلم (أيتكم يعني: رسلكم)، الحلقة: ما جمعت الدار من سلاح أو مال، وعروككم: العروك خشب تلقى في البحر يركبون عليها فيلقون شباكهم يصيدون السمك. ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مقنا تعتبر رسالة ومعاهدة في آن واحد، وتدلّ على حسن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الآخرين.
وكانت مقنا معروفة بإنتاج التفاح والعنب والتمر في زمن الجزيري حيث يقول: «.. والتفاح المجلوب من قرية مَقنا، والعنب في بعض الأحيان والتمر». أما الآن فتمتاز مقنا بكثرة وجود أشجار النخيل والفواكه والمنغا والليمون.
وتشتهر مقنا بشاطئ بكر حيث يتميز بجمال خلجانه وبالتدرجات اللونية لتشكيلاته الرملية وبتنوع بيئته البحرية، كما تتميز بعيون مياه قديمة تنبع في أرض مرتفعة مطلة على شاطئ مقنا، ومخترقة مزارع النخيل الواقعة في مدخل مقنا من جهة الشرق.
ويعدّ مقنا من أهم المواقع الأثرية في المنطقة وتنتشر على سطح الموقع كسر فخارية لأوانٍ متعددة الأشكال والأحجام تم تصنيف بعضها على أنه فخار نبطي، كما تنتشر على سطح الموقع كسر لأوانٍ زجاجية متنوعة ومن خلال هذه الملتقطات السطحية يمكن تأريخ هذا الموقع بأنه يعود للفترة الواقعة بين العصر النبطي والعصر الإسلامي المبكر. كما يوجد في مقنا موقع أثري يقع على هضبة تطل على خليج العقبة وبجواره عين مقنا وهي عين قديمة، كما توجد بمقنا آثار قديمة في كهوف الجبال.
وأخيراً فقد واكبت مقنا التطور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية حيث تجد المباني المتعددة الأدوار، والدارات (الفلل) الجميلة، والأسواق التجارية وتوفر الخدمات المختلفة للسائحين، كما تتوفر فيها مقومات السياحة من هواء بحري لطيف لم يدخل أي رئة قبل دخوله رئتيك، وجوّ معتدل، ومناظر بديعة، وشواطئ ساحرة برمالها وحصبائها، حيث يعانق شاطئها النخيل في منظر لا ينقصه الجمال مع وجود بعض المنتزهات الطبيعية. وأهلها يجيدون كسب قلوب الزائرين بحسن تعاملهم، ولطف عشرتهم ويحس الزائر بتعاطفهم وحبهم، فنظراً لموقعها الاستراتيجي وتاريخها الموغل في القدم وجمال منظرها فإنها تصلح تماماً أن تكون موقعاً متنفساً للسائحين، لذا فإنها تدعوكم لزيارتها. مصدر الصور: العقد الثمين لدرر تبوك للكاتب، والبدع، الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ووكالة الأنباء السعودية.