م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- نتداول في أحاديثنا العامة أقوالاً مثل: أنت معقد، أو فلان معقد.. ولو سألت القائل: لماذا أطلقت هذا الوصف على ذلك الشخص، أو ما هي معايير سمة التعقيد التي يمكن أن تصف بها أحداً؟ لاحتار في الإجابة، وربما ستجد أن ذلك الشخص فقط لم يستجب لطلبه أو ينصاع لرأيه.. لكن مع هذا فإن للمعقد سمات اتفق حولها علماء النفس.
2- أهم سمة في الشخصية المعقدة أنه جامد التفكير، وغير متسامح، ودقيق في حساباته وتصرفاته، ويطالب الآخرين بأن يكونوا مثله، ولديه شعور بالنقص، ويتسم بقلة المرونة، والعناد، والاستغراق في التفاصيل، والحذر المبالغ فيه، والشك في الآخرين، وصعوبة انخراطه في المجتمع واندماجه معهم، والخوف من انكشاف ضعفه أمام الغير، وتهويل الصغائر وتكبيرها، كما يميل إلى الانتقاص من الأشخاص والأعمال، ويجد صعوبة في التعاطف مع الآخرين، ويضع حدوداً للتعامل مع الناس، ولا يحب قيادة فرق العمل لأنه حتماً سوف يتصادم معهم.
3- المعقد يصاب عادة بالاكتئاب والحساسية الشديدة من الآخرين، وينفر من التكليف بالأعمال والواجبات، ويحب التسويف وتأجيل اتخاذ القرارات للمزيد من الفحص والتأكد من التفاصيل، وهذا يجعله يعاني من القلق والتوتر من العمل وزملاء العمل.. أيضاً هو غالباً شخصية انطوائية، لا يجيد الثناء على إنجازات أحد، ولا يستطيع إبداء إشارات الود ولا صنع الصداقات، ولديه اهتمام مَرَضِي برأي الآخرين به، وحرص متزمت في تطبيق ما يراه حماية له من أنظمة وقوانين.. لذلك يعيش حياة بائسة منزوية ودوره في حياة أسرته والمحيطين به ثانوية.
4- المعقدون كما يقول علماء النفس أنواع، فهناك المعقد فكرياً، الذي لا يقبل الآراء أو الأفكار الجديدة ويراها دخيلة، والمعقد عَقَدياً وآيديولوجيا وهو المتشدد، والمعقد اجتماعياً وهو المتزمت الذي لا يقبل إلا ما تمليه الأعراف والتقاليد، والمعقد مهنياً الذي يلتزم بالأنظمة والإجراءات الوظيفية التزاماً حرفياً بنص النظام لا روحه، والمعقد تعصباً لقبيلته، أو منطقته، أو فريقه الرياضي، وهو الذي لا يرى حقاً لغير قبيلته أو منطقته أو فريقه، والمعقد نفسياً وهو المنطوي.. إلخ.
5- المشكلة في شخصية المعقد - مهما كان معيار قياسنا لدرجة تعقيده - أنه لا يرى سوى رأيه، ولا يتحلى بالمرونة الكافية لإدارة حياته بيسر، مع صرامة في تطبيق ما يراه، ويتذمر بشدة إذا تم مخالفته، ويعد ذلك اعتداء واستهانة بشخصه وتجاوزاً على صلاحياته.. لذلك تُعد الشخصية المعقدة نوعاً من أنواع اضطراب الشخصية.. فالشخصية المعقدة لا ترى نفسها متطرفة بل تراها منضبطة ملتزمة تستحق الاحترام في مكان وزمان لا يحترم المنضبط ولا الملتزم! فالأمور لديهم لا تحتمل أنصاف الحلول، فهي إما خطأ تماماً أو صواب تماماً، لا شيء بين بين إلا لدى المتهاونين المنفلتين الفاشلين.. كما يرون في قاعدة «الفضيلة وسط بين رذيلتين» أنها محاولة للالتفاف حول صريح الصحيح وصريح الخطأ!
6- شخصية المعقد تخلو من الحميمية، من هنا فهي تفضل الانزواء والابتعاد عن الناس والأضواء.. وتسيطر عليها مزاجية عالية يمكن أن تتلف علاقتها بالآخرين بما في ذلك علاقاتهم بأبنائهم وزوجاتهم.. فهم في علاقاتهم مع الآخرين يرتاحون مع التابعين المطيعين عديمي الشخصية فاقدي الرأي، حيث تميل شخصياتهم إلى التسلط مع شيء من الغرور والثقة العالية بالنفس حينما يكونوا مع من يرتاحون معهم.. ومع كل ذلك فهم لحظة اتخاذ القرار يبدون مترددين يبحثون عن أي سبب يؤجل اتخاذهم للقرار، لأنهم رغم ثقتهم العالية بأنفسهم مع من يرتاحون معهم إلا أن ثقتهم مهزوزة تماماً أمام من لا يرتاحون معهم، ويجتاحهم شعور بعدم الاستقلال النفسي عن ذلك المجتمع الذي يخشونه.
7- شخصية المعقد تتسم بشدة الانفعال الذي يخرجه عن طوره إذا انفعل، فلا يعود قادراً على التفكير أو التمييز، ويعجر عن التعبير، فقط يطيش صوابه، ويمكن أن يدمر كل شيء يقطع كل الصلات نتيجة لانفلات عقال انفعاله، فيقطع كل الحبال والخيوط مع الآخرين.. ومرد ذلك هو عدم شعوره بالأمان، أو لشعوره بأن إمكاناته وقدراته عاجزة عن ملء المنصب الذي يشغله.