يقول نبي الرَّحمة - مُحمَّد بن عبداللَّه صلوات اللَّه وسلامه عليه «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: (صدقة جارية، او علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
فالمرء عندما يفارق هذه الحياة الدنيا الفانية ولا يترك سيرة حسنة له بعدها فإنه ينسى فلا يُذكر أبداً فإن ملايين البشر فارقوا هذه الحياة الدنيا على مر العصور ولم يذكرهم التَّأريخ ولم يذكرهم أحد من البشر. ولكنَّ هناك بشر ماتوا وكأنهم لم يموتوا، لأن ذكرهم على طول الزمن ينبض بالحياة ويعيش على ألسنة النَّاس بعدهم، بسبب ما تركوه من آثار وأعمال خالدة تبقى بعدهم لتشير إليهم وتدل عليهم، فالمرء لا يزال يردد اسم زبيدة زوج الرشيد لتلك العين التي أنشأتها في مكَّة المكرَّمة، ولا تزال تحمل اسمها، وكذلك العلماء والأدباء الَّذين تركوا لنا كتبهم التي نتثقف منها، ونذكرهم بها على مر الأيَّام والسِّنين أمثال ابن تيمية وابن خلدون والقابسي وابن باز ورواة الحديث أمثال مسلم والبخاري والطبري وابن كثير وابن الفرات البتاني وابن سينا وابن النفيس والزهراوي والرازي وابن رشد والبغدادي وابن البيطار وابن وافد وابن جلجل وابن جزلة وابن الكحال وابن زهر وياقوت الحموي وابن آثال والفارابي وعلي باكثير وعلي الطنطاوي والدكتور غازي القصيبي ومُحمَّد الشعراوي وغيرهم كثير.
ولقد ذكر الإمام ابن الجوزي تفصيلاً لما ورد في حديث نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه إذ قال: (فإذا علم المرء، وإن بالغ في الجد، بأن الموت يقطعه من العمل، عمل في حياته ما يدوم له اجره بعد موته. فإن كان له شيء من الدنيا وقف وقفاً، وغرس غرساً، وأجرى نهراً ويسعى في تحصيل ذرية تذكر اللَّه بعده، فيكون الأجر له، أو أن يصنف كتاباً من العلم، فإن تصنيف العلم ولده المخلد، وأن يكون عاملاً بالخير، عالماً فيه، فينقل مِنْ فعله ما يقتدي الغير به فذلك الَّذي لم يمت).
كما قال الشَّاعر الحكيم:
الذكر يبقى زماناً بعد صاحبه
وصاحب الذكر تحت الأرض مدفون
فالعبرة من كل ما ذكر آنفاً هو أن نعمل عملاً يمتد أجله بعدنا فنُذكر به بعد موتنا، ونخدم به أمتنا وبلادنا، فينشئ من لديه المال الوفير منّا داراً للعلم ويساهم في بناء بيت من بيوت الله وبناء مشفى وحفر آبار وبناء منازل لذوي الحاجات الماسَّة وتشيد الطرق وغير ذلك من أعمال البر والإحسان ويساعد أصحاب الكوارث والحروب.
ويعمل على المساهمة في تقدم أمته والإنسانيَّة جمعاء، ويعمل كل من له أبناء على رعايتهم وتربيتهم تربية دينية أخلاقيَّة علميَّة يعيشون بها قدوة لغيرهم ويورثونها لأبنائهم وأبناء أبنائهم من بعدهم.
والله الموفِّقُ والمعين.
** **
- عبدالعزيز صالح الصالح