عطية محمد عطية عقيلان
كان الموسيقار محمد عبدالوهاب، يرفض الاحتفال بذكرى ميلاده، بل كان يستغرب كيف يفرح الشخص ويقيم حفلاً لانقضاء عام من عمره، بدل أن يفكر كيف يتعلَّم من السنة الماضية ويخطط للعام الجديد من عمره، ووجهة نظر الموسيقار، تحمل جزءاً من الحقيقة، بأنه احتفال في غير محله، فلا يوجد تاجر يفرح بخسارة أو نقصان رأس ماله، أو طالب يحتفل برسوبه، أو موظف بفصله من العمل، فيوم ميلادنا، هي رسالة تخبرنا بأننا تقدمنا عاماً، وهذا العمر بتناقص، سواء على صعيد الأيام أو الصحة أو فقدان الشغف، ويقول المثل العربي الشهير «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، فلكل من يحتفل ويقطع الكيكة بالسيف أو السكين، هي تذكير بأنك تفصل عاماً مضى من حياتك، وقد ذهب بلا رجعة ولا يمكن تعويضه أو كسبه من جديد، وكان للأديب عباس محمود العقاد رأي مهم في ذلك، حيث يقول: «لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لازداد عمرًا في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة دون غيرها، هي التي تعطيني أكثر من حياة، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق»، وهذا يأخذنا إلى موضوع كيف ننمي رأس مالنا ونطرح في البركة، وأفضل الطرق لزيادة ونمو أوقاتنا، هي القراءة التي تمنحك التجول في عقول الأدباء والمفكرين وقراءة سيرتهم وحياتهم، والاطلاع على ما مروا به، وعايشوه في حياتهم عبر عشرات السنين، ولن تكلفك سوى ساعات معدودة، وتترك خبرة تراكمية بأقصر الأوقات، كذلك الأفلام الوثائقية عن أحداث أو أشخاص أو بلدان... تراها عبر فيلم قصير يعطيك علماً ودراية تختصر سنوات من البحث والتجربة، وفي رأي أن هناك عنصراً قد يكون أهمها وهو، من تصاحب وتزامل وتصادق وتشارك في هذه الحياة، لأنهم سيكونون مؤثِّرين في سلوكك وعاداتك، وقد يكونون مصدر إلهام وسعادة وحث على العطاء والتسامح والصدق والأخلاق، ويكسبونك عادات جيدة، تحافظ على صحتك وأخلاقك، وقد يكونون مقصرين للأعمار بعاداتهم الصحية والسلوكية السيئة التي تجرك إلى تضييع وهدر رأس مالك اليومي، وهي قضاء ساعات بـ»الحش» والنميمة والتشاؤم والسوداوية، ولكن أكبر مشكلة نواجهها في العلاقات أنها تحتاج إلى استثمار كبير من رأس مالنا، لنكتشف جوانبه بشكل حقيقي، خاصة أننا نجيد فن الخداع والتلوّن والتنكّر وتغيير الأوجه، حسب المصالح المادية البحتة، ولكن المهم الذي يجب أن نتعلّمه من القراءة والأفلام، عندما لاعجبنا ويحقق فائدة لنا، نقوم فوراً بتغييره والتوقف عن متابعته، وهذا ما نحتاج أن نتعلّمه ونتدرب عليه ونطبّقه، في علاقاتنا الشخصية، سواء لزملاء عمل أو أشباه أصدقاء أو شركاء، ونفعل التوقف، لأن في استمراره مزيداً من الهدر والخسارة غير المعوضة، لذا من الأمثال الجميلة التي تعطي هذا المعنى، «النار الزينة، ولا المعزب الردي» وهي دعوة أن لا تقبل بمزاملة ومصادقة أو مشاركة الرديين، وهذا لا ينطبق على علاقات الأقارب لأننا ملزمون بصلة الرحم معهم.
خاتمة: يقول الأديب الياباني هاروكي موراكامي «لسوء الحظ عقارب الساعة تدور ويمر الوقت سريعاً، ما هو ماض يتزايد، وما هو آت يقل، وما هو ممكن ينقص، وما نندم عليه يتضاعف». لذا لنستثمر رأس مالنا، المتبقي بالطريقة الصحيحة ونحتفل في كل ذكرى ميلاد بتحقيق إنجاز حقيقي والارتقاء بمعرفتنا وقيمنا وعاداتنا، وتكون الشموع للتعبير عن الإضافة المضيئة المنتظرة في حياتنا، وكل عام وأنتم بعادات وسلوكيات أفضل، تعوّض تناقص سنوات العمر، بتقديم ما ينفع ويخدم مجتمعنا وأقاربنا وأهلنا ومن نعاشرهم، ونحاول ترك بصمة خير حقيقية، تبقى مضيئة ولا تطفئ من قلوب الناس.