رمضان جريدي العنزي
المال يدر اللعاب ومن أجله تسيل سيلاً عند الغالب من الناس، يحاولون الاستحواذ عليه وكنزة بكل السبل والوسائل والطرق، من أجله تحصل المعاداة والمناكفات والعداوات والبغضاء والظلم والحسد، البعض يكنزه من أجل الكنز والحراسة، ويحاول أن يكوّن منه ترسانة ضخمة، وتلالاً عالية، شهوة به وحباً له، دون أن يستفيد منه أو يتمتع به أو يتلذذ، هوايته جمع المال وتكديسه في البنوك والمصارف، دون الانتفاع به ونفع غيره بما أمر الله.
إن العافية أهم كثيراً من المال، ومال بلا عافية لا فائدة منه، إن الصحة والعافية من دون أرصدة مالية كبيرة، أفضل بكثير من مال مهول وغياب للصحة والعافية، وكثير من الفقراء لديهم صحة وعافية ويأكلون كما يشتهون، عكس صاحب المال المكدس والذي ربما لديه أمراض شتى لا يستطيع معها أن يأكل ويشرب كما يريد ويأمل ويبتغي.
كان حاتم الطائي رجل جود وكرم وكانت ابنته (سفانة) كذلك، فقال لها: يابنية إن الكريمين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطي وتمسكي وإما أن أمسك فقالت: والله لا أمسك ابداً، فقال لها: وأنا والله لا أمسك ابداً. إنه درس في الجود والكرم دون تبذير في وجوه تغضب الله، إن نعمة الصحة والعافية من أكثر النعم التي لا يقدرها ولا يثمنها الكثير من الناس، وهي من أعظم عطايا الله لعبده، وأفضل قسمة له، وهي أفضل من الغنى والجاه والمنصب، ولا تطيب الدنيا إلا بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، قال الشاعر:
إذا ما كساك الله سربالَ صحة
ولم تخلُ من قوت يحلّ ويقربُ
فلا تغبطنْ أهلَ الكثير فإنما
على قدر ما يعطيهمُ الله يَسلب
إن العافية كنز ثمين، لا يقدرها إلا من فقدها، فكم من أصحاب المال، وملاك الدنيا، افتقدوا العافية ويبحثون عنها، بل ويحسدون الفقراء عليها، إن المعافى يستطيب الطيبات من الأطعمة والأشربة، ويستحسن الزاد ويتلذذ به، وغير المعافى لا يجد في طعامه وشرابه لذة ولا طعماً، إن العافية في المنزلة السامية، وهي نعمة عظيمة من أعظم النعم، إن العافية هي النعمة المغفول عنها ومن هنا قيل: (لا تعرف النعمة إلاّ عند فقدانِها) نسأل الله تعالى أنْ يمن علينا جميعاً بالعفو والعافية، وأنْ يجعلنا من الشاكرين لِنِعَمِهِ وآلائه، إنّه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.