غالية محمد عقاب المطيري
في وسط شارعٍ اِكتَظَّ بعشرات السيارات وقد تهدلت خصلات شعرها على وجهها الطفولي الذي غاب عنه رونقهُ وعيناها زائغتان.
اقترب منها
وقال لها ماذا بك؟
بحركة فزعة ردت عليه
ليُهمهم هو بالبسملة
لتدرك هي وجوده بجوارها لتقول له
لا شي أنا بخير
ولكن أرجوك أسرع
ليرد عليها هو ممازحٍ هل أطير يا حبيبتي؟!
ثم تكتسي نبرة صوته بشيء من الاستفهام ألا تشاهدين هذا الازدحام.
لتكرر كلامها كأنها لم تسمع أياً من كلماته.
يلتفت بكل جوارحه لها وخوف الدنيا في عينيه ويمسك بيدها بين يديه ويقول لها بصوت جمع حنان الدنيا
حبيبتي ماذا بك هل يؤلمك أمر ما؟
لتنظر هي له وقد اغرورقت عيناها بالدموع وتقول بصوت ضاعت معاني كلماته في شهقاتها وزفراتها
أرجوك أسرع!
ليقطع حديثهم ذاك, أصوات أبواق السيارات من خلفهم ليعود لقيادة سيارته وينطلق مسرعاً كان الاستغراب من فعلها ذاك والخوف عليها هما الشعوران اللذان يتصارعان داخله
ليقطع معركته تلك صوت صرخة خرجت منها وهي تقول هنا:
لم يعد يشعر بشيء فلقد انقلبت السيارة بهما وتدحرج خارجها ووقف على قدميه بمعجزة
أما هي فقد انفجرت السيارة بها وكانت آخر صورة لها في عينيه وهي تنظر له نظره يملؤها الحب والوداع والحنين.
مسح وجهه بكفَّيه كمن يحاول طرد هذه الصورة من مخيلته وقلبه وحياته
وكان صوت والده بجواره يقول له:
طلال يا بني لقد حضر والد نوره زوجتك ومصيبته لا تقل عن مصيبتك انهض واستقبلهُ، نهض واستقبل والد زوجته الحبيبة، حضنهُ وأجهش بالبكاء، قال له الأب المكلوم: جبر الله مصابنا يا بني إنها لا تريد منّا إلا الدعاء لحظة الفقد تلك فصلت كلاهما عما يجري حولهما فلقد كانت هناك جلبة, وكل من كان في مجلس العزاء استولت عليه الدهشة. بسبب قوات الأمن التي أحاطت بالمكان.
سأل أعلاهم رتبة أين طلال؟
ذلك السؤال وبتلك النبرة جعلت طلال وأبو نوره يعودان لأرض الواقع رد طلال أنا هو؟
تفضل معنا
لماذا؟
عندما تذهب معنا ستعرف كل شي هنا تدخل أبو نورة قائلاً يا بني إنا في عزاء ابنتي زوجة طلال ,وحاله وحالنا لا يسمح لنا بالذهاب إلى أي مكان.
على وجه رجل الأمن ارتسم شيء من حزن وألم وغضب جعله يقول:
من الأفضل ذهابهُ معنا فصدقني انه لا يستحق منك أي رحمة فهو قاتل ابنتك
استولى الذهول على الجميع وساد الصمت...!
قبل الحادثة بثمان وأربعين ساعة
دخل طلال منزله، واستقبلته زوجته بكل الحب تعانقا فلقد كانت تلك عادتهما، كانا عاشقين رغم مضي أربع سنوات على زواجهما كانت نورة لطلال النفس الذي يتنفسه، كان حبه لها متجدد، كانت بالنسبة له
الراحة
الأمان
السعادة
كان وجهها المبتسم واحته الغناء التي يلجأ إليها من ضغوط الحياة لقد كانت بالمختصر المفيد له الحياة بأسرها.
وكانت نورة تراه الركن الشديد، والسعادة التي تتذوق كل يوم نوع منها أكثر جمالاً ولذة من اليوم الذي قبله.
كانت نورة لا تُبادل طلال حبه فقط بل كانت تتعلم من حبه إياها كيف تحبه أضعاف حبه.
بيتهم الصغير وحياتهم المتواضعة أقل ما يقال عنها إنها جنتهما في هذه الدنيا.
كانت ساعات العمل تعني لهما الانفصال الذي يلد الشوق, لتعقبه فرحة اللقاء الذي يرتشِف كلاهما منها حتى ثُماله:
-دقائق يا حبيبي ويجهز الأكل
- لا تتعبي نفسك
قاطعته بنظره معاتبة لتقول له:
إني أتلذذ وأنا أجهز الأكل لك، قاطعها هو هذه المرة وقال ولكني أستصعب لحظات إعدادك للأكل وغيابك عن ناظريّ. قاطع حديثهما ذاك صوت يزن الذي أعلن استيقاظه ليهرع طلال لإسكاته وتهرع نورة لإعداد رضعته مضى يومهما ذاك كما مضت أيامهم سعيدة هانئة، ولكن عند الساعة الثالثة فجراً استيقظت نوره على ضيق في التنفس ويد قوية تطبق على عنقها النحيل لتفتح عينيها الواسعتان ليزداد اتساعهما اتساعاً ويكون الرعب والذهول هو شعورها الأول، فقد كان طلال هو من يطبق على عنقها فتتحرك قدميها ويديها حركة لاإرادية ولكن سرعان ما يعود قلبها للاستيقاظ فتمسح بيدها وجه طلال، الذي ما إن يشعر بيدها حتى يفيق كمن لسعته نار حارقة ويبتعد باكياً، لتهرع هي خلفه وتحتضنه وتقول: لقد مضى يا حبيبي، ليستدير ناحيتها ويضمها إليه، كمن يخشى فقدها ويقول لها وهو يبكي هذه المرة الثانية: ماذا سأفعل لو حصل لكِ مكروه!
وجودك معي يشكل خطراً على حياتك. قاطعته لتقول له: وجودي معك هو حياتي وحياتك أنا وأنت نستطيع أن نتغلب عليه. مضى ما تبقى من الليل وأشرقت الشمس ومع شروقها أيقظته بابتسامتها لتشرق أسارير الفرح داخله ولكن ما حدث بالأمس جعل سحب التفكير والهم تسيطر عليه، حاولت هي أن تبعد كل همّ وتفكير عنه، وتظاهر هو بأن تلك السحب قد غادرته.
خرج لعمله ومضى اليوم.
وفي المساء كان قد عزم أن يخبرها أنه اتخذ قرار ما، وسيقول لها ذلك على طعام العشاء، لذلك اتصل بها وأخبرها أن تتجهز بعد صلاة العشاء وأنهم سيضعون يزن عند أهله.
وبالفعل استعدت تلك الملاك فقد كان وجهها الطفولي لا يحتاج لكثير من زينة، ولكنها غريزة الأنثى تحب التزين والتجمل.
سرحت شعرها فتركته مفكوكا لم يكبح جِماح جماله إلا طرحتها التي لفتها بكل إحكام حوله ووضعت نقابها وحملت صغيرها، ونزلت لزوجها الحبيب الذي كان ينتظرها بكل لهفة وشوق، ولمحة الحزن على وجهه وحيرته كيف يقنعها بقراره، ارتسمت على قسماته الحبيبة رغم محاولاته لإخفائها، جعلتها تنتبه ولكنها قررت أن لا تشعره بشيء حتى تنزل يزن وبالفعل أنزلوا يزن وانطلقوا إلى موعد العشاء بل إلى موعد الجريمة المروعة.