حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
المكتبات هي حارسة العقل البشري، وهي منارات الحضارة، ومعالم تطور الشعوب وازدهارها، هي شريان الشعوب وقلبها النابض وعمودها الفقري، وهي الوحيدة التي تتبوأ أعلى القمم في هرمها، وقد انصرف عنها البعض وشغلوا بما تدره الشبكة العنكبوتية والإنترنت المتاح من حديث المعلومات، وجديد المستجدات، والسؤال المطروح: هل تتلاشي المكتبات في عصر الشبكة العنكبوتية، وهل تختفي الطباعة من أرجاء العالم؟ هل ستظل المكتبات دور العلم مرتكز المعرفة ومصب الثقافة كما كانت في سابق عهدها؟ أم ستبيت خاوية على عروشها؟ وطموح الباحث في مختلف المجالات وفي قديم الأزمان وحديثها أن يجد بغيته ومحتوى قصده في مقام واحد، وهذا الطموح قد جاء في غضون السنين المنصرمة حين أنشأ إنسان ذلك الزمان أول مكتبة في التاريخ وجدت في معبد مدينة نيبور البابلية والتي يرجع تاريخها إلى النصف الأول من الألفية الثالثة قبل الميلاد والتي حوت غرفاً مليئة بألواح طينية سجلت عليها نصوص اقتصادية ورياضية وفلكية وزراعية وأدبية،ثم يسمو التاريخ إلى مجموعات مماثلة من الألواح الآشورية من الألف الثانية قبل الميلاد، حيث يتمثَّل ذلك في تل العمارنة في مصر إلى أن يذكر التاريخ خبر مكتبة الإسكندرية التي تأسست في خضم معترك القرن الثالث قبل الميلاد وهي تعد أول نموذج للمكتبة التاريخية الحديثة، حيث حوت مجموعة من الكتب في العالم القديم وقد وصل عددها إلى 700 ألف مجلد بما فيما أعمال هو ميروس ومكتبة أرسطو وبعد مكتبة الإسكندرية اشتعل ضوء تشييد المكتبات وأصبحت دليلاً بارزاً قوياً على حضارة الشعوب وبيت الحكمة في بغداد ودار الحكمة في القاهرة هما دليلان واضحان على التطور العلمي والثقافي الذي وسمت به العقلية العربية، وفي عصر أوروبا التنويري أصبحت المعرفة بمقدور العقل البشري وأنشأ الفيكتوريون المكتبات بوصفها أسمى صفات الحضارة الإنسانية، وظلت المكتبات لسان الشعوب ولغة العالم لإنسان القرن العشرين، واختلف الوضع على إنسان القرن الواحد والعشرين، حيث سطت عليه وتملكتنه القراءة الإلكترونية عبر الإنترنت فهل يتوطن الغبار أرفف المكتبات؟ وهل يلف السكون جنباتها؟ وهل تسكن هوام الكتب وحشراتها بطون الكتب وأوراق المصنفات؟
وقد أولع إنسان هذا القرن بفن القراءة الإلكترونية المستحدثة، وتاق لها المحدثون وأغرموا بها، فما عليك إلا ضغط زر واحد وسيصلك بأقصى مكتبات العالم وأنت لم تبرح مكانك ويقدم الإنترنت وقراءته ثروة هائلة من المعلومات لا يمكن لأي مصدر آخر أن يضاهيها لا سيما أنها تتسم بتحديث معلوماتها على نغم الدقيقة، ومدار الساعة، فآخر طبعة للموسوعة البريطانية والتي صدرت في عام (2010م) وتضمنت (40.000) مقال من إعداد (1000) محرر بلغة واحدة لا يمكن أن يضاهي (ويكيبديا) التي تضم (35) مليون مقال يتم تحديثها باستمرار من قبل (69.000) محرر مستقل بنحو (288) لغة، وهنا يأتي سؤال الصميم: هل ستكون المكتبات من ضحايا الثورة الرقمية؟ وهل ستتحول صناعة النشر من طباعة إلى مواد إليكترونية؟ لاسّيما أن متطلبات البحث في العصر الراهن تتطلب سرعة وعجلة في الحصول على المعلومة وثمة جمعها، كما أن الجهود المبذولة من قبل راغبي البحث ومرتادي الثقافة في هذا العصر هي أقل إذا ما قورنت بجهود جبارة بذلت في العصور السابقة والكل في عصر الثقافة الرقمية مشارك سواء أكان محترفاً أم هاوياً من خاصة الناس أو مهمشيهم لا سقف يحده ولا مانع يحول عنه، وشبكة الانترنت تعتمد في صميهما على الكتاب، فالكتاب الالكتروني هو في أصله مستقى من الكتاب الورقي، ومن هذا الاصل هناك من يقول ببقاء المكتبة الكلاسيكية التقليدية ويستدل على رأيه هذا بمكتبة أنشئت في (2018م) في مدينة أنقرة التركية، حيث أسسها مجموعة من عمال النظافة في المدينة المذكورة وذلك حينما لاحظوا كمية الكتب الهائلة التي ترمي في سلة المهملات، فما كان منهم إلا جمع وتأسيس مكتبة تضم في اهتماماتها الأولى عشرين كتاباً وكان ذلك في مبنى قديم يتبع إدارة عمال النظافة، ولم يمض وقت طويل حتى زهت وتفاقمت إعداد الكتب فوصلت إلى (6000) كتاب، وذلك بعد أن سمع عنها السكان الأصليون فبدأوا بالتبرع بمزيد وطائل من الكتب، والسؤال الجوهري: أن هذه المكتبة جاءت من نتاج سلة المهملات فهل هي علامة دلُيل على بقاء المكتبات؟
مراجع المادة
في عصر الإنترنت، المكتبات هنا وستبقي العربية. مها قمر الدين- 1 أكتوبر 2018م
** **
-بنت الأعشي-