سليمان بن عثمان الفالح
تلقيتُ صباح يوم الأحد السادس من شهر شعبان للعام 1444هـ خبر وفاة معالي الشيخ عبد العزيز بن سعد البراهيم -رحمه الله -، وبقدر ما آلمني خبر الوفاة وألم الفقد فـ:»إنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مُسمّى». ولا شك أن أصعب ما يمر على الإنسان من لحظات أن يكتب في مُصاب جلل عن شخص عزيز على نفسه، عرفه عن قرب، وعاش معه تجارب الحياة وأحوالها، ولكن هذا هو حال الدنيا تُفرح قليلاً وتُحزن كثيرًا، وإلا فالموت مصير كل حي ونهاية كل شيء، غير أنه مصيبة تحلُّ بالإنسان كما قال تعالى: فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ فيحل معها ألم الفجيعة، ووجع الفراق، وحُزن الرحيل.
لقد عرفت معالي الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- بحكم عملي معه في وزارة الداخلية فهو أحد رجالات الفقيد الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله -، إذ عمل مديرًا عامًا لمكتبه الخاص لسنوات طويلة ثم مشرفًا عامًا على مكتب سموه، فكان فيها من الرجال الأوفياء المخلصين في تقدير مسؤولياتهم الوطنية، والأمناء في أداء ما يوُكل إليه من أعمال وواجبات، والقادرين على تحمّل المسؤوليات الكبيرة التي تُسند إليه.
تميز -رحمه الله - بامتلاكه قدرات إدارية وقيادية عالية، مكنته من سرعة إنجاز الأعمال بدقة، وتنفيذ المهام بإتقان، فكان مثالاً للإداري المتمكن الصادق مع نفسه ومع الآخرين، الذي يعمل بإخلاص واجتهاد، ويحرص على تطبيق النظام، وتحقيق المصلحة، وبرغم جديته في عمله فقد كان -رحمه الله- إيجابيًّا متواضعًا مع من يراجعه من المواطنين، إذ كان يحترمهم، ويوقر كبيرهم، ويسهم في إنجاز معاملاتهم، فكان -رحمه الله - مثالاً نادرًا في عطائه لوطنه، وإخلاصه لعمله.
وقد كان للفقيد -رحمه الله- بما وهبه الله من قدرات إدارية إسهاماته الفاعلة، ومبادراته المتميزة في تطوير أعمال المكاتب واللجان وتنظيمها لئلا تتأخر المصالح، وتتعطل الحقوق، ولذا كان حريصًا على إنجاز كل ما يصل لمكتبه من معاملات ومطالبات، بعد أن تُدرس بعناية تحفظ للجميع حقوقهم، وتوثق مطالبهم وفق ما تكفله لهم الأنظمة.
كما كان من منهجه -رحمه الله- تشجيع الموظفين ومساعدتهم، وتحفيزهم على العمل، فلم يكن يُقصر معهم بشيء فيه مصلحتهم، ولا يدخر جهداً في مد يد العون والمساعدة لهم، والإسهام في تطويرهم وتأهيل قدراتهم، وتدريبهم لمواصلة تميزهم وتفوقهم في عملهم وحياتهم، وهو بهذا النهج المتميز يقدم أروع الأمثلة في بناء العمل المؤسسي، وتأهيل الكوادر الوطنية، وتحفيزها على البذل والعطاء لخدمة دينها ثم مليكها ووطنها.
وقد عرفت عنه -رحمه الله- وفاءه ومحبته لمعارفه وأصدقائه، فهو حريص على التواصل معهم باستمرار، والسؤال عنهم، والاطمئنان عليهم، والجلوس معهم، وزيارة مريضهم، وحضور مناسباتهم، كما حدثني بعض من لازموه عن محبته لفعل الخير، فكان يزور بعض الأسر المحتاجة، ويتفقد أحوالهم، ويساعدهم بما يحتاجون إليه، ويقضي حوائجهم بنفس راضية وهمة عالية دون كلل أو تعب.
لقد ترك -رحمه الله- أثرًا طيبًّا، وسيرة حسنة، ومكانة عالية، وسمعة طيبة، وتواضعًا جمًّا لدى كل من تعامل معه في عمله، ومع الجميع الذين عرفوه عن قُرب أو بُعد. سائلاً الله العلي القدير، أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويلهم أهله الصبر والسلوان، وأن يجعل الجنة مثواه، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ، و إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ . كما أساله تعالى أن يعين أبناءه ويحفظهم ليكونوا خير خلف لخير سلف، وأن يوفقهم في السير على منوال والدهم، واقتفاء أثره لما فيه صلاحهم وفوزهم في دينهم ودنياهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.