محمد سليمان العنقري
الارتباط الوثيق بين السياسة والاقتصاد كبير جداً فكلاهما يؤثر بالآخر سلباً وإيجاباً بل قد تتغير التوجهات السياسية في سبيل تعزيز المصالح الاقتصادية, ولعل مجموعة العشرين خير مثال على تجمع دول من مشارب مختلفة فكرياً وثقافياً وجغرافياً وعرقياً لأجل تحقيق الاستقرار بالاقتصاد العالمي وتجاوز أي أزمة تواجهه, ورغم النجاحات التي حققتها المجموعة طوال أكثر من عقدين على تأسيسها إلا أنها تواجه هذا العام تحديات بالغة التعقيد لحماية الاقتصاد العالمي حيث تتباين المواقف حول طرح ملفات سياسية ببيان وزراء الخارجية المجتمعين في الهند الدولة التي تتولى رئاسة المحموعة حالياً, فالتوافق حول القضايا الاقتصادية كبير لكن عدم قدرة الوزراء إصدار بيان في ختام اجتماعاتهم بسبب طرح ملف أوكرانيا وطلب الدول الغربية تضمينه للبيان أدى لاعتراض كل من روسيا والصين اللتين رفضتا البيان الذي يطالب بانسحاب روسيا الكامل وغير المشروط من الأراضي الأوكرانية.
فالعلاقات الدولية ببن القوى الكبرى تمر بأسوأ مراحلها منذ عقود طويلة لتضيف عبئاً كبيراً على العالم بمواجهة تحدياته الاقتصادية, فرئيس وزراء الهند قال في افتتاح جلسات وزراء خارجية المجموعة بدلهي إن « الحوكمة العالمية فشلت» في مواجهة التحديات الكبرى وحث دول المجموعة التي نشبت خلافات بينها على تنحية الانقسامات جانباً وبين أن هناك مسؤولية كبرى اتجاه الدول النامية، وهي إشارة لتضرر هذه الدول من الأوضاع الاقتصادية العالمية والتضخم الذي ينتشر بكل الدول، فالعالم اليوم يواجه أزمة كبرى تجعل عدم اليقين مسيطراً على مستقبل الاقتصاد العالمي بسبب الملفات السياسية والتي بدأت تعيق أي تعاون دولي حقيقي لمواجهة التحديات الاقتصادية مثل التضخم ومشاكل سلاسل الإمداد, وكذلك ما تراه روسيا من إعاقة لاتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية مما يرفع من الأسعار عالمياً وهو أمر يضر الدول الفقيرة التي تستورد غذاءها الرئيسي من الحبوب الأوكرانية، فهذه الخلافات السياسية كان يفترض أن تبقى بعيدة عن أجندة مجموعة العشرين والتي تعنى بالشأن الاقتصادي بالمقام الأول وأسست لهذا الغرض, فانتقال الخلافات السياسية لأروقة اجتماعاتها سيضعف من تأثيرها في هذه المرحلة بتجاوز التحديات الاقتصادية وإبعاد شبح الركود عن معظم اقتصادات العالم وكذلك تراجع نسب التضخم مما سيكون له أثر سلبي يضغط على البنوك المركزية للدول الكبرى اقتصادياً بزيادة تشديد سياساتها النقدية لمكافحة التضخم لكن ذلك قد يقود لتباطؤ أو ركود اقتصادي وهو ما سينعكس سلباً بكل تأكيد على أغلب اقتصادات الدول النامية والفقيرة وسيطيل فترة التعافي للاقتصاد العالمي.
فالدول المتصارعة لم تترك ميداناً لتصفية الحسابات بينها إلا واستخدمته فأجواء العلاقات بينها مشحونة جداً وتسيطر عليها أجواء الحرب التي بدأت اقتصادية وفرضت من خلالها عقوبات ضخمة على روسيا التي قابلت ذلك باستمرار حربها العسكرية على أوكرانيا حتى تحقيق أهدافها التي أعلنتها ومن أهمها حماية أمنها القومي لكن المتضرر هو الاقتصاد العالمي الذي يقع تحت وطأة الخلافات السياسية, فالغرب أبعاده في هذه الصراعات مع روسيا وكذلك المواجهات مع الصين هدفها تعزيز هيمنته الدولية بينما الطرفان الآخران يسعيان لأن يكونا قطبين دوليين على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وهو ما يجعل من مهمة أي تجمع دولي يهدف لتعزيز التعاون ومواجهة اي أخطار تهدد اقتصاد العالم واستقراره صعبة وشبه معطلة أحياناً لكن تبقى مجموعة العشرين لها أهمية بالغة ويعول عليها كثيراً في معالجة أي تحديات تواجه اقتصاد العالم فهي تجمع دولاً تمثل 80 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي ولديها قوة بكافة المجالات واستطاعت التصدي للأزمة المالية العالمية 2008 وكذلك تداعيات جائحة كورونا 2020 اقتصادياً وصحياً والمنتظر منها وضع الحلول لملفات تضغط على الاقتصاد العالمي وإصلاح المؤسسات المالية الكبرى كما طالبت الهند وهذا يتطلب عدم إقحام السياسة في أعمال المجموعة.
مجموعة العشرين تحولت لتكون صمام أمان الاقتصاد العالمي منذ تاسيسها عام 1999 وهي تمر بأدق اختبار لدورها بحماية الاقتصاد العالمي مع ظروف الحرب الروسية الأوكرانية التي قسمت العالم وأصبحت هي المهيمنة على كل التحركات الدولية للقوى الغربية وكذلك روسيا وتعتبر محور أي احتماع لمجموعات دولية تضم تلك الدول مما يضع الشأن الاقتصادي كأولوية ثانية بالنسبة لها بالرغم من خطورة المرحلة على الاقتصاد العالمي, فإن أي ركود قادم بالاقتصاد العالمي سيرافقه تضخم غالباً وقد تكون القدرة على مواجهته أضعف مع نفاد ذخيرة الحلول لدى أغلب البنوك المركزية في الدول الغربية وكذلك الخطر من انفجار فقاعة الديون العالمية التي تبلغ 300 تريليون دولار أميريكي وما يترتب عليها من تداعيات اقتصادية ومالية ضخمة.