رمضان جريدي العنزي
الجحود والنكران من أبشع المواقف وأرداها، وصفات مذمومة تتنافى مع الطبيعة الإنسانية المستقيمة، التي تحب من أحسن إليها وأسداها الجميل والمعروف، وتجلب لمن أتصف بها بالشقاء ونكد البال، وسوء الحال، والجاحدون الناكرون للمعروف بالتأكيد ليسوا أسوياء، لكنهم سفهاء وحمقى مثل النطيحة والمتردية والعفجاء والعرجاء، بل عندهم خلل في الشخصية والنفسية، ما عندهم قيم ولا ثوابت، لا مثالب جميلة، ولا صفات حسنة، اعتادوا أن يأخذوا ولا يعطوا، عندهم الاستحواذ عملية مقدسة، يحبون ذواتهم حباً جماً، تمردوا على القيم والأخلاق والسلوك والتعامل، مروءتهم ناقصة، ومكابرتهم زائفة، ينسون الفضل وأهله، وعندهم عاهات نفسية مستديمة، إن ديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على شكر من يسدي إلينا الجميل والمعروف، حتى تسود المحبة والألفة بين الناس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن، فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور)، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ بِهِ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَد كَافَأْتُمُوهُ)، لكن الجاحدون الناكرون يجانبون هذا الحث الثمين، والتوجيه الكريم، لغايات رديئة في أنفسهم، وهذا دليل على خسة النفس ودناءتها وحقارتها، عكس النفوس الكريمة النبيلة التي لا تعرف الجحود والنكران، بل إنها دائماً مخلصة وفية، وتعترف بالفضل لذوي الفضل، لكن الجاحدون الناكرون، يتنفسون حقداً، ويتقيأون بغضاً، ويعيشون النقيض التام، ما عندهم وفاء لا عهد ولا ميثاق، ولا يعترفون بالمبادئ والقيم، ولا همهم سوى المصلحة الذاتية، والمنفعة الشخصية، ومتى ما انتهت المصلحة والمنفعة انسحبوا تماماً بلؤم وخسة، واختفوا من المشهد كما تختفي النجوم في رابعة النهار، إن الوفاء وحفظ الجميل من أعلى درجات الأخلاق وأعظمها، عكس الجحود والنكران التي تجلب النكيات والنكبات، والتحاسد والتباغض، وهي أعمال أشد وقعاً من السيف والخنجر، بل تعد خيانة لا تغتفر، تفعل له الأفاعيل، تقف بجانبه وتصطف، تدعمه بشكل لا متناهٍ، تأخذ بيده، تساعده، تقاسمه الخبز والماء، وتكون له أقرب وأوفى من أهله وخوته، ثم يفر منك كما يفر الصحيح من الأجرب، ويختفي تماماً كما الملح في كوب ماء، دون سبب ولا مسبب، سوى انتهاء المصلحة والمنفعة، إنها الدناء في الأخلاق، والوضاعة في السلوك، والعفانة في التعامل، والخسة في نسيان المعروف، قال الإمام الشافعي رحمه الله:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا
فدعه ولا تُكثر عليه التأسفا
لا خير في خل يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده
ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا