رمضان جريدي العنزي
كل شيء هادئاً تماماً في هذه البلدة الوادعة، لا يوجد ما يغير صفو النفس والروح والقلب، المشهد للعين ممتع ولطيف، المساء الربيعي فيها له ذائقة خاصة، في المساء وعند غروب الشمس يصبح كل شيء غارقاً في الهدوء إلا من سيارة مارقة بالكاد تعبر، وفي الصباح زرقة السماء الصافية لها في النفس وقع عجيب، وسط هذه البلدة الصغيرة لا تشعر مطلقاً بالضجيج والعجيج، هذه البلدة تغريني في السير في طريقها الزراعي، هواؤها النقي، وريحها الخفيفة، وزرعها، تجعلني أكثر بهجة وسروراً، وأنا أواصل عبوري في الطريق، أشعر بالسعادة الغامرة، السكون يخيم غالباً على هذه البلدة، وفي الليل يكون السكون كاملاً، للزمن هناك ثمة إيقاع جميل، إنه أشبه بقصيدة مغايرة، أو غزالة نافرة، أو نافورة ماء، عندما تكون في هذه البلدة لا تشعر مطلقاً بالقلق والتوتر والمشاحنات كما هي في المدن، لا تشعر بالسأم ولا الشعور بالعدمية، هناك تتجلى أشكال الاستلهام والاستيهام وأحلام اليقظة، والهروب إلى الذكريات القديمة الدافئة، والتي تعزز القدرة على التوازن والتماسك، فيها ترى العمر أكثر حيوية ونشاطاً وإبداعاً، الشتاء البارد فيها له سمو عال، والصيف فيها مغاير، والربيع أخاذ، إنه عالم (تخاييل) الصغيرة، التي أدمنت عشقها، سيما وأنا أحب الفضاءات المفتوحة التي تشبه راحة الكف، مع تقادم السنين يحفر الزمن على أجسادنا آثار عبوره، لكن هذه الوادعة تعيد لك الشباب والنظارة، وتحرك فيك النشاط والحيوية، إن التبدلات والتغيرات نتيجة طبيعية لحجم التغير من المدينة الطافحة بالضجيج، إلى بلدة طافحة بالسكينة والهدوء، ومن الطبيعي جداً أن ينعكس ذلك على المزاج والأخلاق والسلوك، ما أن تشاهد طائر يحمل في منقارة غصنا طريا يحي فيك الأمل ويجلب لك السرور، ويمنحك مساحة شاسعة من الفرح والحبور، فيها تعيش الخيال والهيام، بعيداً إزعاج وضوضاء المدينة، أن أغلب نشاط أهل هذه البلدة في الزراعة، لطبيعة أرضها المنبسطة، ونقاء هوائها، وجودة تربتها، ووفرة مائها، لكن ينقصها بعض الأشياء كتعبيد الطرق الرئيسة والممرات، وتكثيف الخدمات الأخرى (مياه، كهرباء، اتصالات)، لتواكب ومتطلبات المستقبل، لتصبح حافزاً رئيسياً للاستيطان للباحثين عن الهدوء، بعيداً عن الازدحام المروري الخانق، والتكلفة المعيشة الباهظة في المدن، أن أحياء هذه البلدة القليلة السكان، وغيرها من البلدات المشابهة لها، وتزويدها بالخدمات كاملةه أهمية قصوى، أن تسهيل المعاملات وتوفير المتطلبات وتشجيع الاستثمار فيها تعد عوامل جاذبة للأفراد والتجمعات وتقلل من ازدحام المدن، إن احياء البلدات وتنميتها وتشجيع الهجرة لها يخفف علمياً وواقعياً من وطأة الزحام المخيف في المدن، وفيه حد كبير من الهجرة للمدن الكبيرة، وتخفيف الضغوط على تلك المدن وعلى خدماتها وطرقها، ولتحقيق ذلك لابد من وجود خطة عمل واجبة التنفيذ بعيداً عن البيوقراطية والتأخير، وذلك لتأهيل تلك البلدات والهجر وجعلها عامل جذب سكاني لما لذلك من فوائد جمة اقتصادية واجتماعية.