مها محمد الشريف
أسئلة كثيرة تطرح نفسها أمام تطور الأحداث الدولية والحرب المموهة التي تنذر بمزيد من الخطر وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين في ظل الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا بمشاركة الغرب.
ماذا يعني هذا كله؟ هل تستدعي الحالة الخروج من المتاهة بأقل الخسائر؟ وخاصة في ظل تباطؤ العديد من اقتصادات الدول، لم تعد الأسئلة المزدوجة متاحة في نظام عالمي جديد فالحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها بلا شك على الاقتصاد الأوروبي والعالمي ككل، وعلى شرايين الطاقة التي تغذيها، وهناك أمور كثيرة تحدث خارج الإرادة التي تكرر ما وقع في الماضي لتعيده اليوم.
إن تاريخ أوروبا مليء بالحروب وتداعياتها وقد أنتجت في المحصلة النهائية تخلفاً في المجال السياسي والإنساني، رغم كل المتغيرات تلاشت أوهام السيطرة على الحروب لأنها لم تعد ممكنة، فأوروبا اليوم تعتمد بصورة كبيرة على الإمدادات الروسية من النفط والغاز قبيل هذه الأزمة، لكن الحرب الروسية تسببت في زيادات مستمرة بالإنفاق العالمي وارتفاع التضخم وكلفة نقل البضائع وقفزة قياسية في الديون.
وأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم وتراجع الثقة، الناجم جزئياً عن اضطرابات إمدادات الطاقة الناجمة عن الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا إلى إثارة مخاوف من أن منطقة اليورو تتجه نحو انكماش حاد، وأصبح الطريق مفتوحاً نحو مصير غامض يتوسع باستمرار بكل فظاعاته وتشاؤمه، وبذلك يوجه البنك المركزي الأوروبي إلى صانعي السياسة الآخرين بالانضمام في رفع أسعار الفائدة، لأن المخاوف اشتدت، وبلغت عائدات السندات الإيطالية والإسبانية أعلى مستوياتها منذ ثماني سنوات.
وكذلك أكثر من عشرين دولة تنتظر الحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي، على الرغم من أن التقدم كان بطيئاً بالنسبة للدول التي تعثرت بسبب مفاوضات الديون، حيث شهد العام بالفعل قيام العديد من البلدان المثقلة بالديون بما في ذلك مصر وباكستان ولبنان بإسقاط أسعار صرف.
غرقت الاقتصادات الهشة على نحو مطلق وبناءً عليه رصدت «إيكونوميست» «53 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل تعاني بالفعل من مشكلات الديون، أو معرضة لخطر كبير للقيام بذلك وحجمها الاقتصادي متواضع، في حين يبلغ ناتجها المشترك 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تجاوز عدد سكانها لـ1.4 مليار شخص، أو 18 في المئة من سكان العالم».
لقد تعاكست الأدوار والآراء وتجاوزت حدود الواقعية يوماً بعد يوم، وبدأت تتضاعف أعباء الديون الثقيلة مع تباطؤ النمو العالمي وتشديد الأوضاع المالية أكثر مما يمكن أن تتحمله بعض الحكومات، حتى أصبح تقرير المصير يفوق تقرير التاريخ لمجموعة من ضحايا الاقتصادات الأكثر فقراً، وأقل قدرة على الاقتراض بطرق آمنة بعملاتها الخاصة.
نستخلص بعض النتائج التي تدين السياسة الاقتصادية التي خرجت عن القواعد الأساسية بسبب الحرب ونتائجها الفظيعة على العالم المنتصرة منها والمهزومة على حد سواء، لتبقى جشعاً بلا حدود ودولاً بلا مستقبل.