د. تنيضب الفايدي
وادي ذي خشب يقع شمال المدينة المنورة بمسافة أربعين كيلومترًا ما بين المليليح والمندسة.
(مندسة المدينة) على مرحلة من المدينة، قال عدي بن زيد:
إذا حلّ أهلي بالخَوَرْنق
فالحيرة واحتلّوا بذي خشب
قال الحموي في معجم البلدان (2/426): «وادٍ على مسيرة ليلة من المدينة، له ذكر كثير في حديث المغازي». ويقول السمهودي (4/259): «وادٍ على ليلة من المدينة، له ذكر في الحديث والمغازي. وذكره الحربي عند ذكر طريق مصر حيث يقول: «ومن السقيا إلى عتاب، ومن عتاب إلى المروة، ومن المروة إلى المر، ومن المر إلى السويداء، ومن السويداء إلى الأراك، ومن الأراك إلى ذي خشب، ومن ذي خشب إلى المدينة». ويقول د. جواد علي: «ثم إلى ذي خشب»، وهو وادٍ على مسيرة ليلة من المدينة. قال العباسي: «خشب وادٍ على ليلة من المدينة، وله ذكر في الحديث والمغازي».
ذو خشب أول مرحلة بعد ما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من المدينة المنورة إلى تبوك، حيث أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذي خُشُب، وصل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- صباح (الجمعة) اليوم الثاني من مسيره من المدينة المنورة، حيث استراح يومه هناك إلى دومة يقال إنها في حائط عبيد الله بن مروان.
وقد اهتم بمواقعها المؤرخون وأصحاب السير اهتماماً بالغاً حيث ذكروا تلك المواقع، قال ابن رشد في البيان والتحصيل (17/774): «بنى النبي صلى الله عليه وسلم بين تبوك والمدينة نحو ستة عشر مسجداً، أولها بتبوك وآخرها بذي خشب». قال ابن اسحاق في السيرة (2/530): كانت المساجد معلومةً مسماه». ومن المتقدمين الذين رصدوا مواقع مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء ذهابه إلى غزوة تبوك ورجوعه الحربي صاحب كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة، ثم من جاء بعده ومنهم الفيروز آبادي صاحب كتاب «المغانم المطابة في معالم طابة»، وبعدهم السمهودي في كتاب «وفاء الوفا» وغيرهم من المؤرخين، يقول العلامة الجاسر في شمال غرب الجزيرة (ص435): «انحصرت عناية المؤرخين المسلمين بالنسبة لتبوك في ناحيتين، أولاهما: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- غزاها وهي آخر غزوة وصل بها إلى حدود الشام، والثاني: عنايتهم بالمساجد النبوية الواقعة في الطريق بين المدينة وتبوك، وذلك أن المؤرخين الإسلاميين حرصوا أشد الحرص على تسجيل أسماء الأماكن التي صلى فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم، ولكنها اندثرت ولم يُعرف الكثير من تلك المواقع لعدم معرفة الناس في الأعصر المتأخرة لتلك الأماكن، وذلك لوقوع التغيير في مسار الطريق أو التحريف في أسمائها، يقول الخياري المدني في كتابه «تحفة الأدباء وسلوة الغرباء» عن هذه المساجد ما نصه: (وكانت مساجده -صلى الله عليه وسلم- في سفره إلى تبوك معروفة، ففي كلّ منزل نزله اتخذ مسجداً، وقد سلكت أنا هذه الطريق، وسلكها جمع كثير لا يُحصى عددهم من المدنيين وغيرهم، ولم يقف أحد على تعيين محل منها في منزل من المنازل إلى أن وصلنا إلى تبوك، لا ظناً ولا تخميناً، فما بالك باليقين والتعيين، ومن لقيناه من البادية الذين ربما يكون عندهم خبر من ذلك، لم نسمع منهم شيئاً في ذلك، ولعلّ سببه ما هو معلوم من أن هذه الطريق انقطع سلوكها مدة مديدة أيام كانت الخلافة ببغداد فما كانت الحجيج ترد إلا من طريقها ولم نعلم إلى الآن متى كان ابتداء سلوكها من جهة الشام بعد انقطاعها لنا بيقين المدة المذكورة...».
وقال ابن رشد في بيانه عن مساجد غزوة تبوك: «بنى النبي -صلى الله عليه وسلم- مساجد تبوك بين تبوك والمدينة نحو ستة عشر مسجدًا، أولها بتبوك وآخرها بذي خشب». وفي رواية ابن زبالة: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى تحت الدّومة التي في حائط عبيد الله بن مروان بذي خشب، فهنالك يُجمِعون». وفي سنن أبي داود برقم (3068) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل في موضع المسجد تحت دومة، فأقام ثلاثاً، ثم خرج إلى تبوك، وإن جهينة لحقوه بالرحبة، فقال لهم: «مَن أهلُ ذي المروة؟ قالوا: بنو رفاعة من جهينة، فقال: قد أقطعتها لبني رفاعة، فاقتسموها، فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل». ويقول حمد الجاسر: «ذو خشب من الأودية الواقعة شمال المدينة والتي تجتمع مع مجتمع سيولها في وادي إضم وكان به قصور، وبه نزل بنو أمية حين أخرجوا إلى الشام من المدينة قبيل وقعة الحرة، ولوقوعه في طريق وادي القرى كما يسمى في القرن العاشر وما بعده وادي القرى، غلطاً، كما في رحلتي القطبي والخياري وغيرهما». ويقول البلادي في معجم معالم الحجاز (ص126): «قال أبو عبيد البكري، ذو خُشُب: بضم أوله وثانيه، وبالباء الموحدة: موضع يتصل بالكلاب، وهو على مرحلة من المدينة على طريق الشام، ويقول: «وتردد ذكر خشب في كثير من رحلات الحجاج، وأجمع الكل أنها على مرحلة من المدينة في طريق الشام، وطريق الشام كان يأخذ على وادي الحمض مسافة 70 كيلاً تقريباً ثم يفترق إلى طريقين أحدهما يأخذ يميناً على ألتمة فاللحن فإلى خيبر، والآخر يأخذ شمالاً على العلا إلى تبوك، وتوجد اليوم أنقاض خشب - فيما أعتقده- على (35) كيلاً من المدينة على ضفة وادي الحمض الشرقية، توجد بوابة عالية من الأجور الأحمر على أنقاض قلعة هناك، وقريب منها أنقاض قلعة حجرية متراكمة، وأخرى غير بعيدة.
أقول: يقع وادي ذي خشب شمال المدينة المنورة بمسافة أربعين كيلومترًا ما بين المليليح والمندسة (مندسة المدينة)، وكم مررتُ على وادي ذي خشب الذي تكرر ذكره في الأدب كثيراً، قال الشاعر:
وذا خُشُب من آخر الليل قلَّبتْ
وتبغي به ليلى على غير موعد
وقال آخر:
أَبَتْ عيني بذي خُشُبٍ تنامُ
وأبْكَتْهَا المنازلُ والخِيامُ
وأرَّقَني حَمَامٌ باتَ يدعو
على فَنَنٍ تجاوبُهُ حَمَامُ
ألا يا صاحبيَّ دعَا ملامي
فإنَّ القلبَ يُغريه المَلامُ
وعُوجا تخبرا عن آل ليلى
ألا إني بِلَيلى مُستَهامُ
مررتُ على وادي ذي خشب خلال أربعين عاماً سبقت عند عملي في التربية والتعليم، حيث يقع ذو خشب على وادي الحمض (إضم) على بعد مرحلة من المدينة المنورة، ويبعد عن الجرف بالمدينة المنورة مسافة 40 كيلاً. وإضم ملتقى أودية مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يلتقي وادي قناة ووادي بطحان مع وادي العقيق شمال المدينة المنورة غرب جبل أحد، ويشكل الجزء الشمالي الغربي لجبل أحد مع مجموعة جبيلات تسمى (جبال الرسي) أضيق منطقة تضم الأودية السابقة أي: وادي العقيق ووادي بطحان ووادي قناة، وتصبح وادياً واحداً هو (إضم).
ووادي ذي خشب به سد لا يزال متماسكاً إلا من بعض جهاته وبعض المباني التي يكثر الحفر داخلها وخارجها (ربما البحث عن كنوز)، وذو خشب مقر لبعض الأمويين المطاردين من قِبل الدولة العباسية، ونعلم بأنّ الدولة الأموية انتهت عام 132هـ، وبانتهاء خلافة الدولة الأموية قامت الدولة العباسية، واتخذ بعض الأمويين مواقع تجنباً للمطاردة من قبل الدولة العباسية.
- الصور من كتاب العقد الثمين لدرر تبوك