د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أصعب الأسئلة التي يمكن للإنسان أن يواجهها، هو السؤال لماذا، وفي ذات الوقت هو المفتاح لكثير من الأسرار العلمية، ويبدو أن الإنسان منذ زمن طويل وهو يبحث عن إجابة السؤال لماذا، وقد هداه هذا السؤال لبعض الإجابات والوصول إلى مقترحات جميلة ورائعة مثل مدينة أفلاطون الفاضلة، لكنها مع الأسف فشلت، ولم يعد يطرح السؤال لماذا فشلت، وأحيانا يتعذر معه في حينه الوصول إلى إجابة سليمة للسؤال الذي طالما طرحه على نفسه وعلى الآخرين، ويبدو أن الإنسان في تفكيره الأول قد طرح هذا السؤال عن سر وجوده، وأرسل الله رسله لهدايتهم إلى أن المخلوقات قد خلقت لعبادة الله، واستفادة الإنسان مما هو متاح لعمارة الأرض، فمن الناس من أمن ومنهم من كذب، وقد يكون بعض المكذبين قد عجزوا عن وجود إجابة لديهم عن كثير من لماذا، لكنهم ظلوا يحتاجون إلى ما يلجأون إليه عند حلول المصائب، أو يرجونه لنيل المكاسب. وعندما رأى إبراهيم القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال إني لا أحب الآفلين، ولما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال إني لا أحب الآفلين، فإبراهيم كان يبحث عن إجابة لهذا السؤال، لماذا ولماذا هو موجود في محاولة أن يرى ذلك في القمر أو الشمس غير أن عقله لم يقبل ذلك، فمن الله عليه وأرشده وهداه إلى الطريق المستقيم، وعبادة الله وحده لا شريك له الذي خلق هذه الأكوان بما فيها القمر والشمس، واتبعه في هذا الإيمان عدد من قومه، بينما خالفه آخرون.
والحضارات المتعاقبة في بلاد الرافدين، والشام وكذلك مصر واليونان والحوثيين في الأناضول، والهند والصين وغيرها من منابع الحضارات كان هذا السؤال مطروحاً لديهم، فمنهم من وحد ومنهم من لم يفعل، وقدم الأوروبيون الوثنيون الذين كانوا يطرحون السؤال لماذا، فوجدوا جوابه في المشرق، فآمنوا بالله ووحدوه.
وطرح هذا السؤال المفكرون والفلاسفة مثل ابن سينا، وابن رشد، وغيرهم للاستدلال على التوحيد، وليس البحث عنه، كما تعمق في ذلك السؤال بعض الصوفية مثل ابن العربي، وابن الفارض وحتى المفسرون أيضا استدلوا بهذا السؤال على كثير من علوم دينية قيمة مازالت موجودة حتى وقتنا الحاضر مثل الطبري وابن كثير والسيوطي، وسيبقى هذا السؤال دافعاً لاستنباط معان ودلالات عظيمة للآيات الكريمة، لتعمق الإيمان في القلوب.
العلماء الذين قدموا لنا نظرياتهم في العلوم البحتة وثم تحولت إلى حقائق، وبنيت عليها قواعد وصناعتنا كبيرة عظيمة لم يكونوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من خلال إجابة هذا السؤال لماذا، وذلك ممتد منذ زمن طويل حتى وقتنا الحاضر، وعليه فإننا نجد عند اليونانيين الكثير من هذه العلوم، مثل فيثاغورس ونظرية الطفو، أو أيضا جابر بن حيان، والخوارزمي وعلومه المميزة التي بنيت عليها الكثير من الأسس العلمية في الوقت الحاضر، وأيضا نيوتن وقانون الجاذبية وتوماس اديسون، وتسلا في الكهرباء والسيد بل في الهاتف والاخوان رايت في الطيران، وغيرهم كثير.
أصحاب نظرية النشوة والتطور طرحوا هذا التساؤل أيضا، لكنهم حتى هذه اللحظة لم يثبتوا لنا يقينا بما وصلت إليه نظرياتهم، فما زالت نظريات قائمة ولم تتحول إلى حقيقة، ومنذ أن خلق الله سبحانه وتعالى هذه الأرض قبل ثلاثة عشر مليار ونصف سنة، وتتبعوا ما حدث بها من تغيرات جيولوجية وبيئية ووصلوا إلى نظريات معينة، توقفوا كثيرا عند ذلك الانفجار الحيوي الكبير الذي حدث كما يقولون قبل خمسمائة وثمانية وثلاثين عاماً مليون عام، ولا أدري لماذا حدد بالضبط خمسمائة وثمانية وثلاثين عاماً مليون عام ونحن نتكلم عن ملايين السنين وحتى وان بني على دراسات أقرب إلى الواقع، ففي تلك الحقبة من الزمن كان هناك تسارع عظيم في خلق الكثير من المخلوقات كما يدعي أصحاب تلك النظرية، ويرون أن ذلك لهو أسباب، لكنهم لا يعرفون الحقيقة ولماذا هذا الانفجار، فتم طرح الكثير من النظريات، فمثلا تحول الرخويات إلى هيكل عظمى مثلا يظنون ظناً أن ذلك ناتج من زيادة في الكالسيوم عند الرخويات، وزيادة الكالسيوم لاشك أنها تؤثر على الجسم، فأرادت تلك الرخويات التخلص منه بحيلة معينه، وهيتكوين عظام، وبهذا خرجت العظام إلى الوجود، وأيضا من تلك النظريات توفر الأكسجين بسبب تغيرات في الغلاف الجوي أدت إلى ذلك الانفجار الحيوي وتشكيل الخلايا المتخصصة بشكل أكثر، ولكن يبقى الكثير من الأسئلة التي لم يستطع العلم الإجابة عليها حتى نظرياً، والأدهى من ذلك عدم وجود إجابة على السؤال لماذا تبقى القردة باقية حتى الآن، إذا كان الإنسان قد تطور من قرد، وقد يقول قائل إنها كانت طفرة، لكنه لا يستطيع الإثبات.
الحديث العلمي في ذلك يطول، ولكن يبقى لنا في هذا السطر المتبقي أن نذكر أن الشعراء أيضا لا يحبون في شعرهم طرح هذا السؤال لماذا، لكنهم يستبدلونها بألفاظ أخرى تعطي نفس المعنى، مثل قولهم، لست أدري وكذلك قولهم، لم، كم، وغير ذلك من الألفاظ، يقول إيليا أبو ماضي:
كَم تَشتَكي وَتَقولُ إِنَّكَ مُعدِمُ
وَالأَرضُ مِلكُكَ وَالسَما وَالأَنجُمُ
إلى آخر القصيدة، والحقيقة أن هذا السؤال صعب للغاية لأنه يتعلق بالنفس البشرية، وأبو ماضي نفسه اشتكى كثيراً، ولم يجد جواباً.