أعدُّ الزميل والصديق الدكتور محمد بن عبدالله المشوح من جيلي إذ الفارق بيننا سنتان لصالحه، وتعود معرفتي به إلى ربع قرن حينما أسّس ثلوثيته في منزله بحي الغدير بمدينة الرياض وطلب مني أن أدير بعض لقاءاتها، وهكذا بدأت العلاقة والصداقة إذ كنت من قدامى مرتادتي ثلوثيته العامرة ومن المعجبين بما يُطرح فيها وبالشخصيات التي كُرّمت فيها، وشجعني على ارتيادها قربها من منزلي كذلك، وهكذا بدأت العلاقة، ثم توطدت أكثر فأكثر مع مرور السنين إذ أصبحنا نلتقي في العديد من المناسبات الثقافية في الرياض وخارجها، ثم أحسن بي الظن فدعاني للانضمام إلى جمعية العناية بالمكتبات الخاصة عضوًا في مجلس الإدارة.
وحينما بدأت فكرة جولات وفد جمعية الأدب العربي ورؤساء الأندية الأدبية لزيارة مناطق المملكة المختلفة حضر بعض اللقاءات، وآخرها في محافظة المجمعة، واستضاف الوفد في مزرعته (مشرفة) العام الماضي، ويوجه الدعوات كل عام لزيارته في مزرعته في القصيم.
ومع أن الدكتور محمد المشوّح في الأساس من المتخصصين في علوم الشريعة والأنظمة، ويعمل في مجال المحاماة، فإنه لم يقتصر على تخصصه الدقيق ولا على حرفته وعمله بل مد جسور القراءة في معظم العلوم، ووطّد علاقاته مع معظم المثقفين والأدباء والإعلاميين في المملكة وخارجها، ويملك مكتبة كبيرة في منزله تحوي نوادر من الكتب، ويحضر معظم دورات معارض الكتب بوصفه ناشرًا، وبوصفه قارئًا محبًا للكتاب، فيبيع ويشتري، وهو صديق الجميع إذ يلتف حول ثلوثيته العديد من الفاعلين في الساحة الثقافية، ويجد عنده مرتادو معرض الرياض للكتاب مستراحًا وقهوة عربية وضيافة وحديثًا عذبًا وكرمًا غير متكلّف.
والدكتور المشوح بلا ريب أحد الناشطين في مجال تسويق الثقافة في مجالات عديدة، بدأها بالكلمة المسموعة معدًا للبرامج الحوارية مع معالي الشيخ محمد العبودي في إذاعة القرآن الكريم، وبرامج أخرى تتخذ الحوار مجالاً لها، ثم طرق باب الصحافة فأعد جملة من الحوارات، ثم بدأ مشروعه الثقافي الأشمل والأعمق بتأسيس ثلوثيته في عام 1421هـ/2000م متزامنة مع اختيار مدينة الرياض عاصمة للثقافة العربية، وتلا ذلك تأسيس دار نشر باسم (الثلوثية) التي بدأت ببيع الكتب أولاً، ثم أصبحت ناشرة للكتب، ثم توسعت فأسست متجرًا إلكترونيًا مواكبة للتقنية وخدمة للقراء في كل مكان، وهكذا أصبحت الثلوثية علامة مهمة في مسيرة الثقافة وتسويق الكتاب ونشره، وتخصصت في العناية بمؤلفات معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي رحمه الله، فأولتها عناية خاصة إذ وفرت المطبوع منها للقراء، وأعادت طباعة النافد منها، وطبعت المخطوط، فتكونت مكتبة كبيرة للغاية تضم مؤلفات الشيخ التي بلغت أكثر من مئتي كتاب.
كما تخصصت دار الثلوثية بكتب التاريخ والأنساب والسير الذاتية، فحفّزت المؤلفين على توفير مؤلفاتهم للبيع، أو طباعة المسودات وتقديمها للقراء، كما تواصل الزميل الدكتور المشوح مع بعض المؤلفين أو مع ورثتهم وأتاح مؤلفاتهم للقراء بعد أن كادت الأرضة أن تقضي عليها في بيوتهم وضاق بها بعضهم ذرعًا في حين يبحث عنها بعض القراء ولا يجدها، ولم يكتفِ بذلك بل تواصل مع بعض المؤلفين المنقطعين عن الساحة الثقافية تمامًا، فطلب إعادة طباعة مؤلفاتهم وطباعة الجديد من إنتاجهم أو جمع مقالاتهم المتفرقة في الصحف كما فعل مع الأديب الأستاذ عمران بن محمد العمران وغيره من الأدباء.
وإضافة إلى كل هذه المسارات المهمة في الحضور الثقافي، فإنه اسم فاعل في معظم المؤتمرات والملتقيات يشارك بورقة هنا أو هناك، وله بعض المؤلفات التي دفع بها إلى المكتبة السعودية، ومنها: مفردات، وعميد الرحالين، ومقام المحاماة، والشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ، وغيرها من الكتب والبحوث التي لم تجمع بعد في كتب.
وبعد، فالزميل الدكتور محمد بن عبدالله المشوح صديق أعتز بصداقته والعمل معه في أكثر من مجال، وهو اسم نفخر بها بوصفه ناشطًا ثقافيا وداعمًا للفكر، ومكرّمًا لوجوه المجتمع، وحاضرًا بقوة في كل الحقول والمسارات الثقافية، وكان جديرًا بالتكريم العام الماضي عندما أقر منتدى الدكتور عمر بامحسون تكريمه وثلوثيته؛ تقديرًا لجهوده وأعماله، كما ننتظر احتفاء ثلوثيته بمناسبة مرور ربع قرن على نشأتها.
** **
د. عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري - أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - (رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض سابقًا)