حمّاد بن حامد السالمي
* هو تاريخنا وإرثنا العربي في جزيرتنا العربية منذ آلاف السنين. هل يوجد من يستهدفه اليوم..؟ ولأي غرض..؟ وما موقفنا نحن لحمايته ودحر المدلسين والكذَبة الذين يتسللون إلينا في أثواب براقة؛ توحي للكثيرين أنها تخدم هذا التاريخ العريق، وأنها تعيد إليه أمجادًا فقدها عرب الجزيرة العربية - زعموا- وعلى وجه الخصوص عرب جبال السروات وتهامة، التي تمتد جغرافيًّا من مكة المكرمة حتى سراة صنعاء في اليمن..؟
* عاش أجدادنا في هذه البقعة من الجزيرة العربية؛ وكثير منهم يعرف الحنيفية السمحاء دين أبينا إبراهيم عليه السلام، ويدين بها، ويحج إلى الكعبة التي بناها النبي إبراهيم وابنه إسماعيل في مكة المكرمة، ومع مرور الوقت؛ حدثت انحرافات عقيدية أدخلت الوثنية إلى مجتمعات الجزيرة العربية، حين قدم عمرو بن لحي بلاد الشام، فرآهم هناك يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، وكانت الشام آنذاك محل الرسل والكتب السماوية، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون..؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: ألا تعطوني منها صنمًا فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه..؟ وهكذا حتى أحيطت كعبة الله المشرفة بمئات الأصنام لكل قبيلة صنمها. وكثرت الأصنام في ديار القبائل العربية. كانت هذه هي مشكلة عرب الجزيرة العربية، التي جاء لمعالجتها الدين الإسلامي الحنيف المنزل على شاب منهم هو محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وسلم. وهذه هي جاهليتهم الحقيقية، وليست ما يدور في أذهان كثير من الناس.
كانت جاهلية العربي قبل الإسلام جاهلية دينية، حين ابتعدوا عن الحنيفية السمحاء وعبدوا الأصنام مقلدين عرب الشام الذين ظهر أو استقر بينهم الأنبياء مثل عيسى وموسى وسليمان، وعبر إبراهيم عليه السلام أرض فلسطين إلى مكة الوادي القفر غير ذي الزرع، وتعبد قلة من عرب الجزيرة العربية بدين عيسى عليه السلام ودين موسى عليه السلام، كالنصرانية في نجران، واليهودية في اليمن، فمن كان منهم يهوديًّا أو نصرانيًّا على قلته قبل نزول الإسلام؛ لم يكن من غير القبائل العربية ذاتها في جنوب الجزيرة العربية أو الحجاز أو شرقها وشمالها، بل كانوا عربًا منهم، استفادوا من الانفتاح السائد، وعادوا إلى رشدهم بعد ذلك بدخولهم في دين الإسلام.
* ما كان العرب الأوائل جاهليين؛ لولا المشكل الديني الذي ابتعد بهم عن الحنيفية إلى وثنيات مستوردة. كانوا يقرؤون ويكتبون، ولهم أشعارهم وآدابهم وأخلاقهم، حتى أن الإسلام جاء مؤيدًا لكثير مما كانوا عليه من كرم ووفاء وشجاعة وأنفة وعزة نفس وحلم وتفاخر وزهو ومراعاة لحرمات المرأة والدور إلى غير ذلك، والشواهد أكثر من أن تعد، وكانوا يتطارحون الشعر والآداب في أسواقهم، ويحكمونها، ويكتبون المتميز منها على أستار الكعبة، ومع نزول القرآن الكريم؛ كانوا يعرفون القراءة والكتابة، وكان منهم من يتعلم هذه الصنعة في مدارس لهم، ومثال ذلك، أن والد الحجاج بن يوسف الثقفي كان يعلم الصبيان في مدارس بالطائف، وورث عنه ابنه الحجاج هذه الصنعة قبل تعسكره وقيادته للجيوش.
* لم أقل لكم لماذا أتحدث هكذا عن ديار أجدادنا الأوائل وتاريخهم سواء قبل الإسلام الحنيف أو من بعده؛ بعد أن عز الله بالإسلام عرب الجزيرة العربية، وعز الإسلام بهم، وظلوا على العهد حتى جاء عصر التدوين، فأفرغت خزائنهم الشعرية والأدبية والمحكية، فوجدنا أنفسنا نحن هذا الجيل المحظوظ؛ أمام كنوز معرفية لا تكذب أهلها، ابتداءً من النصوص القرآنية والحديثية، وليس انتهاءً بكتب المؤرخين العرب الثقاة، التي يعتد بها ويعتمد عليها، مثل سيرة ابن هشام، وتاريخ ابن كثير، وتاريخ الطبري، ومئات كثيرة، لم نجد فيها ما يشير إلى أن الأنبياء والرسل ولدوا وعاشوا وترسلوا في جبال السروات وهضاب تهامة، وأن حضارة الرافدين ما كانت إلا هنا في تهائم الحجاز، حتى أن الحضارة الفرعونية لم تعرفها مصر هبة النيل؛ وإنما كانت في الحبشة قريبًا من بحرنا الأحمر..
* هذا والله كلام سمعته بأذني وداخلت فيه ووجدت من عرب الشام من يجهد ويؤلف الكتب والمقالات؛ ليقول لنا بأن ( أرض اليهود هنا في سرواتكم ) يا عرب هذه القرى المتناثرة على قمم جبال السروات.. وأن عيسى عليه السلام كان في سهول تهامة.. وأن سليمان عليه السلام عاش باليمن.. والتقى بلقيس ملكة سبأ في جبال صنعاء.. ووصلت الجرأة بمؤلف فارسي: (ابن المجاور الذي عاش في القرن السابع الهجري)، أن يوحي بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم عاش في جبال تعز، ومثله كثير من صحابته، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.. هكذا فهمت من كتابه المليء بالتخليط: (صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز.. المسمى تاريخ المستبصر)، إضافة إلى مضحكات وإساءات كثيرة في حق عرب الحجاز واليمن ونسائهم على وجه الخصوص، وتمجيد لرموز فارسية من قومه، وادعاءات باطلة، وكأن اليمن كان جزءًا من فارس، وليس من بلاد العرب.
* هناك مفاجآت قادمة فيما يتعلق بـ(توراة الحجاز)، وكتاب تاريخي ليس لصاحبه من مرجع علمي إلا (إحداثيات رقمية) للأمكنة في جبال السروات وأودية وسهول تهامة. اضحكوا أو ابكوا.. لكن انتظرونا في الجزء الثاني من المقال.