ناهد الأغا
بمتابعتي وسائل الإعلام، والصحف والمواقع الإخبارية، كلها وجلها، تابعتها، ورأيتها، والألم يلقي بظلاله الثقيلة والمهلكة عليَّ، فكل واحد منها ينقلُ تلك الصور والمشاهد الحزينة والمؤلمة، التي تُدمي القلبَ حينما تُشاهدُ العين تلك الانهيارات التي تتابعت، والكوارث التي وقعت، وتسمع الأذن صرخات الاستنجاد وطلب العون، التي تتناهى على المسامع كوقع الرعد المدوي على الأرض الجرداء، صرخات في داخلي لا يمكن لأي أحد ولو اقترب إلى أقصى درجات القرب سماعها، صرخات غصة وألم ونحيب، لم أتخيل لبُرهة من الوقت أن تكون، وأنا أشاهد الجثث التي يتم إخراجها من تحت الأنقاض المتراكمة، وشعور فرح ممزوج بألم عندما أشاهد من خرج حياً يُرزق، وقد أحاطته عناية الرحمن.
يلهج لساني بتضرع قلبي أن يرحم من لاقى وجه ربه، وأن يُنقذ ويسلم مَن لم يعرف ما مصيرهم بعد، آه تارة هناك في سوريا، وأخرى في تركيا، تركيا التي يتجدد ألمي فيها كل لحظة عندما تعلن فيها عن ازدياد عدد الوفيات جراء الزلال، ولا أملك من أمري سوى دعاء الباري عز وجل لهم بالرحمة والغفران، والأمل يحدوني ولست أفقده، بنجاة كثير من تحت الهدم والدمار، فلست أخافي شعورًا ممزوجًا بين السعادة والجرح برؤية طفل رضيع أنقِذ من وقع الزلزال، وضحكات قلبه ومحياه تخرج إلى الملأ الفسيح.
يحرك قلبي حروف كلماتي، وليس قلمي، لأجلك، نعم لأجلك أنت يا أول حرف وأول كلمة وأول سطر في حياتي، هناك حيث كان مسقط رأسي، ورواية طفولتي، وقصة صباي، وحكاية شبابي، والأمل، والطموح، والأحلام الجميلة التي ناديت فيها إلى الغدِ في يومي، في تلك البلاد الجميلة سورية الحبيبة.
فماذا عساني أقول يا من أشعلت ألماً متوهجاً في صميم فؤادي، كلما لاح في أفقي ومخيلتي تلك الأيام الخالية، التي فاقت الحُسن بألقها وجمالها، وأرى بعيني كيف نخر الخراب في أحشائها، بعد هذا الزلزال المدمر، الذي أصاب تلك الديار، فتدحرجت المعالم والمباني، وسالت الدماء، وتعالت الآلام والصيحات، وعلا صوت الاستغاثة والاستنجاد، وملأ الآفاق كلها، وتضافرت أيدٍ مع أيدٍ أخرى للبحث في الأنقاض التي ألمت بالبلاد والعباد جراء ذلك الزلزال المدمر.
حلب الشهباء، لا أدري أي حُزن أصابني، وأي ألم داهمني وغزاني، على تلك الأضرار التي لحقتها، فكيف لي لا أتألم حين أتذكر تلك السنوات، التي كنت فيها تلميذة تلتمس دروب العلم والمعرفة والفكر والثقافة في جامعتها العريقة، أحاكي قلعتها الشماء الصامدة، وكأنني أشاهد المتنبي، يُنشدُ أجزل أبياتها مدحاً ًلها، وهو يرتجلها في بلاط سيف الدولة الحمداني، وتسكب عيني الدموع لتجمدا، حين تَعصفُ في وجداني، قوله:
لا أقمنا فى مكان وإن طاب
ولا يمكن المكان الرحيل
كلما رحبت بنا الروض قلنا
حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا
وإليها وجفنا والذميل
ماذا عساني أن أجيبك يا سيف الدولة الحمداني عن المنزل، فما عادت الشهباء، ولا بقيت كما عهدتها، فلا تكاد حروفي تنطق، حين أبصرت قول سيف الدولة الحمداني:
لقد طفت في الآفاق شرقا ومغربا
وقلبت طرفي بينها متقلبا
فلم أر كالشهباء في الأرض منزلا
ولا كفويق في المشارب مشربا
نحمد الله عز وجل على كل شيء، جاءت اللمسة الحانية، ضمدت جراح القلب والفؤاد، شاهدت كيف أن الشقيقة الكبرى، لا يمكنها رؤية غيرها من الشقيقات ينزف جرحها ويزداد ألمها، ولا تكون لجانبها، كيف لا تكونين كذلك يا مملكة الخير والانسانية المثلى، بلادي الذي أكرمني الله من عليائه أن أمضي فيها عقودًا ثلاث، هي خير ونماء واعتزاز، المملكة العربية السعودية الغراء، أيقونة الإنسانية الحقة، التي ما انفكت تقدم يد العون والمساعدة لمن تضرر من هذا الزالزال الأليم، فسارت قوافل الخير بأمر من الملك الإنسان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود رئيس مجلس الوزراء، فضمدت جراحاً، وواست يتيماً، وجبرت قلب من أثكلتهم الآلام والجراح، دُمت للعلا عنوانًا، وللمجد مسلكاً يا مملكة الخير والعطاء والإنسانية الفُضلى، حفظك الله وأدامك واحة غناء وافرة، وحفظ ملك الخير وولي عهده الأمين، وأدامهما لكل ما فيه الخير.