د. إبراهيم بن جلال فضلون
أيام عصيبة على إسرائيل وحكومة اليمين وسط دائرة مُشتعلة، للأسبوع التاسع على التوالي، والغليان يُنذرُ بربيع صهيوني حافل بعد نزول آلاف الإسرائيليين إلى شوارع تل أبيب، احتجاجاً على تعديل «مناهض للديمقراطية» طرحه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على النظام القضائي، في مخاوف من الديكتاتورية الصهيونية؛ لتقليص سلطات المحكمة العليا، ومنح السياسيين سلطات أكبر في اختيار القضاة، في دولة تتصدى للحريات وتقتلها، وها قد جاء الدور على بني جلدتهم (منهم فيهم)، وصلت لاشتباكات عارمة، تتصاعد وتتعقد الخيوط الصهيونية بعد رفض جنود الاحتياط الاستدعاء، وتحذيرات من حركة عصيان واسعة، هي المرة الأولى التي يقرر طاقم كامل من الاحتياط وبشكل مشترك عدم الانصياع للأوامر في رد مُهين «لن نخدم ديكتاتورية».
الأمر الذي جعل اتهام «نيتنياهو»، أمراً مفتوحاً أمام الجميع، كوزير الدفاع الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست بيني غانتس، «لقد بعت إسرائيل للمتطرفين»، لِمَ لا وقد انتهكوا حُريات شعب أعزل، وصل الأمر إلى دعوة البعض إلى «محو» قرية فلسطينية وكان أبرزهم وزير المال الإسرائيلي «بتسلئيل»، متبجحاً: «أعتقد أنه يجب محو قرية حوارة»، «أعتقد أن هذا ما يجب على دولة إسرائيل أن تفعله»، مما أثار نقاشاً إسرائيلياً وتبادل اتهامات، أعقبها رد فعل دولي غاضب، وعدم الترحيب بالزيارات الخارجية لنيتنياهو منها إلغاء زيارته إلى الإمارات.. وإثارة نوع من «الفتور» في علاقة «متشعبة الأضلع»، للدولة المحتلة دولياً، وكذلك تراجع «بتسلئيل» في جبن عما قال.. تلك الدولة التي قسمت فلسطين وبنت حلمها دولة إسرائيل أعقاب الحرب العالمية الثانية تتويجاً لطموحات الحركة الصهيونية في تأسيس دولة تجمع يهود الشتات في بلد واحد، تم إعلانها عام 1948 عقب تصويت في الأمم المتحدة لاسيما بعد محرقة اليهود التي نفذها النازيون.
ليتكرر ما كان بهتاف المتظاهرين حتى يتآكل البيت الإسرائيلي.. ربع مليون وسط تل أبيب وغيرها رافعين الأعلام الإسرائيلية «ديمقراطية»، و»عار»، «جئنا إلى هنا للتظاهر مجدداً حتى النصر»، أعقبها «رسالة تهديد» للجيش.. وجاء في نص رسالة جنود الاحتياط: «نحن المحاربون القدامى في الوحدة 8200 تشرفنا بالخدمة في أكبر وحدة نخبة في الجيش الإسرائيلي وأكثرها تنوعاً، نُحذر من تفكك التماسك الاجتماعي والضرر الذي يلحق باقتصاد إسرائيل واستقرارها وصورتها في العالم نتيجة الإلغاء المتوقع للفصل بين السلطات والضرر باستقلال القضاء».
إنه صراع سياسي بين المعارضة والحكومة، وصل ذروته مما استدعى تحذير سياسيين وأمنيين من تداعيات عدم قدرة إسرائيل على السيطرة، وقد حاصر المتظاهرون سارة نتنياهو زوجة رئيس الحكومة داخل صالون شعر في تل أبيب لنحو أربع ساعات، حتى تمكنت الشرطة من إخراجها، فهل يمكن أن نرى ربيعاً صهيونياً دموياً لينقلب السحر على ساحره، بدأ من تهديد النظام الديمقراطي أي «القضاء» كساحة للعدالة إن (كُمم فاهها وكُبِّل يداها)، فعلى الدولة الصهيونية السلام، والتغيير بعده قادم لا محالة، خاصة بعد أن وافق البرلمان مبدئياً، على بندين أساسيين في الإصلاح، أولاهما: تعيين القضاة، ثُم تكبيل المحكمة العليا حتى تكون غير مؤهلة لإلغاء أي تعديل للقوانين الأساسية التي تعد بمثابة دستور في إسرائيل، وكأننا «نشتم»، رائحة مصالح نتنياهو الشخصية بدكتاتوريته التي وُجدت في (شارون)، حتى لاقى مصيراً مؤلماً.
لقد كان الضرر الدولي كبيرًا لأحداث حوارة والضفة عموماً على المستوى الإستراتيجي، ليتعداه للداخل، فبدلاً من أن تُركز قوات الأمن على القبض على مُنفذي ومُخططي العمليات، باتت تتصدي للمواطنين اليهود، لتفقد إسرائيل السيطرة على دائرة التصعيد، مُحاولة الحفاظ على القانون والنظام، ليعُم الإحباط الإسرائيلي قلب المحتلين.