عبدالله سعد الغانم
الذوقُ الرفيعُ نتاج خلقٍ عالٍ وهو جمالٌ في الحياةِ وباعثةٌ للسرور في النفوس وموطدٌ للعلاقات بين الناس ومخفِّفٌ عنهم شيئًا من أكدار الحياةِ ومصائبها وصاحب الذوق الرفيع شخصٌ محبوب ومجلسه مرغوب وهو عند الناس مقبولٌ وذكره حسنٌ يألفه الناسُ ويألفهم، حيث تجده لا يخرج كلمةً من فمه إلا موزونةً فلا يجرح ولا يحرج يشكرُ ويمدح ويُثني ولا يعيب ولا يسخر ولا يهزأ ولا يلمز ولا يهمز ينتقي أطايب الكلام ويُهدي صادق الدعاء يتجنب بذيء القول من لعن أو سبٍ أوشتم، يشجع ويحفز ولا يحقر أو يحطم يسعد لسعادة الآخرين ويفرح بنجاحاتهم ويبارك لهم مشاركًا إياهم أفراحهم وإنجازاتهم بالتهاني، لا تلقاه عابسًا مكفِّهرًا، بل تعلو الابتسامة محيَّاه مخترقًا بها القلوب آسرًا بها النفوس ولا تجده إلا متواضعًا وإن علا مكانه على أقرانه أو كثر ماله أو عزَّ جاهه هو هينٌ لينٌ سهلٌ قريب سمحٌ رحيمٌ متعاظفٌ متعاون يحب الألفة ويسعى إليها ويكره البغضاء ويحذر منها يعلم أنَّ الحياةَ قصيرةٌ فيتخذها مزرعةً للآخرة ظافرًا بلسان صدقٍ في الآخرين، وهذا هو المكسبُ الحقيقي مع ما ينتظره في الآخرة من الفوز بمحبة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والجلوس القريب منه حيث قال:» إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا»ومثل هذا الذوق الرفيع لن يحصل عليه المرء إلا حين يصاحب القرآن تلاوةً وتدبرًا، فالقرآن يسمو بقارئه ويرفعه على غيره درجاتٍ ودرجات،وقد ورد في الحديث الصحيح: «إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ»، وقد رأيتُ ورأى غيري أثر القرآن على سلوك قارئيه وذوقهم وأخلاقهم وتعاملهم كما أنَّ القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يتعامل مع أهله وأصحابه وأعدائه وسيلةٌ من وسائل الرقي بالذوق والأدب ومعينٌ لا ينضب وقد قالت عنه عائشة رضي الله عنها: «كان خلقه القرآن» ومجالسة ذوي الذوق الرفيع لها أثرٌ بالغٌ في الحصول على هذا الشرف الرفيع وهنا نبضةٌ شعريةٌ كتبتها أختم بها هذه الومضة البيانية:
تواصلْ بلطفٍ كنْ أنيقًا وهيِّنا
ورافقْ سموًا كنْ مع الناسِ ليِّنا
وأغدق أحاسيسَ الإخاءِ محبةً
ليبقى حديثُ الأُنسِ في الناس بيِّنا
وجانبْ غليظَ القلبِ واهجرْ مكانَهُ
وكنْ يا أخي الغالي على العرضِ صيِّنا
وكنْ طلقَ وجهٍ فالتَّبسمُ ساحرٌ
ولفظك فاجعلْهُ الجميلَ المزيَّنا
ستحظى بتقديرِ الأنامِ وحبِّهم
وتصبحُ فيهم يا أخا الفضلِ ديِّنا
لك الأجرُ موفورًا من الله خالقي
تنالُ جنانَ العدن أنْ كنتَ هيِّنا