سهم بن ضاوي الدعجاني
تؤكد العديد من المصادر التأريخية أن أول راية في العصر السعودي الأول قد رفعت عام 1157هـ ضد كل من عادى أهل التوحيد، كما أن أول جيش سعودي بعث عقدت له الراية لهذه المهمة كان يتألف من عدد قليل من الرجال يحملون عدداً قليلاً من العدة والعتاد والرواحل. ومما قيل أيضاً إن أول حاكم للدرعية من آل سعود استمر حكمه أربعين سنة، وكان يعقد الراية لأحد أبنائه أو يتولاها هو بنفسه. وذكر ابن بشر في تاريخه أن الإمام عبد العزيز بن محمد الحاكم الثاني في الدولة السعودية الأولى، وابنه الإمام سعود كانا يبعثان رسلهما إلى رؤساء القبائل، ويحددان لهم يوماً ومكاناً معلوماً على ماء معين، وتتقدمهما الراية، فتنصب على ذلك المورد، فلا يتخلف أحد من رؤساء القبائل، وعندما عرض ابن بشر سيرة الإمام تركي بن عبد الله جد الأسرة المالكة حالياً ومؤسس الدولة السعودية الثانية، قال: كان إذا أراد الغزو يكتب إلى أمراء البلدان ورؤساء القبائل يحدد لهم الخروج في يوم معين وموقع معلوم ثم يخرج آلاته الحربية ومعدات الجيش وأعلاف الخيول قبل مسيره بـ15 يوماً، ثم يخرج الراية فتنصب قريباً من باب القصر قبل خروجه بيوم أو يومين أو ثلاثة، وكان الإمام تركي يأمر بحمل الراية فحذا ابنه فيصل حذوه في نظام إخراج الراية وتقديمها أمامه أو نصبها أمام القصر.
وهنا تذكرت كلام الباحث والمؤرخ السعودي الراحل عبد الرحمن بن سليمان الرويشد -رحمه الله- في معرض رصده لتاريخ الراية السعودية وتطورها، في كتابه «تاريخ الراية السعودية - أعلام وأوسمة وشارات وطنية» مفهوم ومعنى العلم في اللغة، مشيراً إلى أن للعلم مرادفات في قواميس اللغة مثل (اللواء) و(البند) و(البيرق) و(الدرفس) و(العقاب) و(النصب) وكلها يقصد بها: قطعة من القماش الملون تعقد على قائم. وتدل القطعة من القماش على رموز وإشارات لشيء ذي قيمة كبيرة ومعنى خاص، ولهذه القيمة الرمزية الكبيرة يحملها الجند السعوديون في طليعة الجيش السعودي وفي الاستعراضات في الوطنية، كما ترفع على الدور الحكومية في الأعياد والمناسبات.
وفي سياق التجديد الذي يقوده سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، المعروف بعشقه للتأريخ السعودي، أقرت المملكة يوماً للعَلَم، وحدّد بأمر ملكي «يوماً للعلم» يوافق 11 مارس (آذار) من كل عام، وذلك اعتزازاً بالعلم وأهميته ودوره الكبير في ترسيخ هوية الدولة ورمزيتها الوطنية.
وفي هذا السياق وجه معالي وزير التعليم يوسف البنيان جميع القطاعات التابعة للوزارة من جامعات ومعاهد وكليات المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وإدارات التعليم بالمناطق والمحافظات، بالاحتفاء بيوم العلم 2023، وقد تضمن توجيه معاليه أهمية توظيف هذه المناسبة الوطنية في التذكير بنعمة الأمن والأمان والاستقرار التي تنعم بها المملكة، والتأكيد على الاعتزاز والانتماء لهذا الوطن العظيم، والولاء لقيادته الرشيدة، والمحافظة على مكتسبات الوطن ومقدراته، والاعتزاز بتاريخه ورموزه الوطنية وعمقه الحضاري.
ونظراً لحجم وزارة التعليم على مستوى الوطن، حيث لا يكاد يخلو بيت سعودي من وجود أحد منسوبيها، وارتباطها بالتعليم من ناحية أخرى تأتي أهمية هذا التوجيه. فتوظيف «يوم العلم» تربوياً، يعتبر من أهم الملفات الحيوية التي تعمل عليها وزارة التعليم وكافة قطاعاتها والذي يجب أن تتظافر فيه الجهود النوعية والمتناغمة مع طبيعة الشباب في هذا العصر المتسارع لتعزيز دور «يوم العلم» في ذاكرة الطالب السعودي للتمسك بوحدة الوطن, لذا يجب على جميع المؤسسات التعليمية بدءاً من مؤسسة الأسرة وانتهاء بمؤسسات التعليم العالي استثمار هذا اليوم المجيد لتعميق الوفاء في نفوس الطلاب والطالبات من المواطنين والمقيمين لهذا الوطن لحكومته الرشيدة.
إن «يوم العلمَ» فرصة تربوية للمجتمع التعليمي أن يؤكد من خلال برامج عصرية على «رمزية» العلَم والذي يرمز بشهادة التوحيد إلى رسالة السلام والإسلام التي قامت عليها هذه الدولة الراشدة ويرمز بالسيف إلى القوة والأنفة وعلو الحكمة والمكانة، وبالنظر إلى المستقيل نحن على يقين من أن التحول التأريخي الذي تشهده بلادنا سيضمن بقاءها منطقة ذات اهتمام كبير لصناع السياسة ورجال الأعمال والصحفيين والباحثين في العالم لتبقى بلادنا مملكة الإنسانية ومحور التحالفات الإستراتيجية فيما يخدم مستقبل الإنسان وفق رؤية المملكة 2030 .
وأخيراً إنها صباحات «ميمونة» عندما يردد طلابنا وطالباتنا في «يوم العلمَ» «تحت بيرق سيدي سمعا وطاعة»، تلك العبارة الشهيرة التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا وأصبحت «أيقونة» ولاء في أهازيج الفرح وعلامة فارقة في مشهد الانتماء السعودي للوطن وقيادته, ليتحول ذلك إلى منهج حياة للسعوديين في وطنهم الحلم والذي يرسم مستقبله عرّاب الرؤية وأمير الشباب سيدي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- قائداً ملهماً نفاخر به فهو طموحنا وواقعنا ومستقبلنا, بل هو سمع ونظر وقلب كل الشعب السعودي.