سهوب بغدادي
فيما نعيش في عصر الثورة العمرانية وانفتاح المملكة العربية السعودية على العالم الخارجي من خلال إتاحة السياحة حديثًا، ومع شهود مختلف مناطق المملكة الفعاليات والمؤتمرات على اختلاف مجالاتها، تبرز إشكالية الزحام في الطرقات والإشارات، حيث يمضي الشخص وقتًا طويلاً في سيارته أو التنقّل من العمل إلى المنزل والعكس صحيح، بالنسبة لي أمضي ما لا يقل عن 3 ساعات قيادة كل يوم للتنقّل من العمل إلى المنزل في مدينة الرياض، وقد يقل أو يزيد معدل الساعات بحسب الفعاليات المقامة والأحداث والمؤتمرات والمعارض التي تعقد في ذلك اليوم، بالإضافة إلى عوارض الطريق وتقلبات الطقس أحيانًا، لذا يجدر بنا أن نتعايش مع هذه الظاهرة التي تنتشر في المدن الكبرى والعواصم، فمن أبرز طرق التأقلم مع الزحام اليومي أن يكون لك روتين معتاد عند الدخول في «المعمعة» أو «الزحمات» فلا يتوتر الشخص عند رؤيته التكدس، بل يباشر روتينه المقنن والمخصص للزحام، بدايةً بمعرفة رزنامة اليوم وتلافي الطرقات المؤدية لها، من ثم قد يساعدك أن تستمع إلى كتاب مسموع، أو برنامج ثقافي «بودكاست» أو إجراء مكالمة لطيفة وليست ثقيلة على الخاطر، على سبيل المثال التحدث إلى صديق قديم وتجديد عهدك به، لمدة ربع أو نصف ساعة، ولا تنس عزيزي القارئ أن تأكل بضع لقيمات قبل الخروج إلى الساحة، ومحاربة العطش، لأن الجوع مضن وسيجعلك تكشِّر عن أنيابك لا محالة، لا أنكر أنني «بكيت»مرتين أو خمس مرات على أقل تقدير وسط الزحام، وقد تكون الخلوة بالذات أكبر مسبب لمواجهة النفس والملفات المركونة والمؤجلة، فيضرب الشخص أخماساً في أسداس، وتتخبطه الأفكار والمسببات والتأويلات، فإصلاح علاقتك مع نفسك وإيجاد سبل تهدئتها من أهم المعايير لاجتيازك هذه الفترة وغيرها من الفترات التي تحتم عليك البقاء مع نفسك وأفكارك، ناهيك عن أن أغلب من في الزحام وليس الكل يجمعهم رابط مشترك ألا وهو العمل، فمنهم المحبط من مديره، ومنهم المحترق وظيفيًا، ومنهم المفصول، ومنهم المظلوم مهنيًا، ومنهم «المهزأ» والمضغوط، وبالتأكيد الجائع والعطشان، لذا يعد تمالك الذات واستملاكها والتماس العذر للإخوة والأخوات أمرًا لازمًا. الجدير بالذكر أن هناك أمورًا تخفف من التوتر لا الزحام، منها نظام الإشارة المرورية، فعندما تكون الإشارة التقليدية التي تغير لونها من الأخضر إلى الأحمر دون سابق إنذار قد تصيب الشخص بالتوتر، فلم لا يتم اسبدالها بتلك التي تحوي عدادًا تنازليًا لتسهيل العبور وقطع الشارع دون حوادث ناجمة عن التوتر؟ كذلك تعد مسارات المشاة مهمة بألا يكون الشخص مترقبًا متأهبًا على الدوام من عبور شخص من مكان غير مخصص للعبور من الأساس، كما يعد دور المؤسسات والبيئة الوظيفية الداعمة مهماً لضمان الصحة النفسية للفرد والمجتمع، بأن يجعل رب العمل ساعات مرنة للدوام، أو أياماً محددة للعمل عن بعد، أو العمل في أيام وتعويضها في أخرى، كأن يعمل الشخص في أيام عطلة ناهية الأسبوع لتلافي الزحام، زائد عدد من أيام الأسبوع لكيلا يضطر أن يواجه الموظفين الزحام خمسة أيام في الأسبوع، بل ثلاثة، إن الحلول الإبداعية تتنوع وتختلف بحسب مرونة الأفراد والجهات المرتبطة بهم، فمتى استشعر الجميع أهمية التوقف لتأمل الإشكالية بهدف إيجاد حل وليس للامتعاض والتنفيس ستبرز -بإذن الله - الطرق المثلى لتجاوزها.