د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
عندما نتحدث عن تأسيس لوبي سعودي، فإننا ننطلق، وبإيجاز تام، من فكرة مركزية تتمحور حول أهمية تعزيز مكانة المملكة، وتفعيل دورها على الساحة الدولية، تحقيقاً لمصالحها الإستراتيجية، يكون نموذجاً لعمل سياسي ودبلوماسي سعودي لوبي مؤثِّر على صعيد العلاقات الدولية، ذلك هو الهدف الأساس لإطلاق لوبي سعودي معاصر وفعَّال.
أما المقصود باللوبي، وكما يُعرف في الأدبيات السياسية، وفِي الدراسات المعنية بهذه الظاهرة، هو ذلك التعريف السهل الذي يرى أن اللوبي أو جماعات المصالح، هي تنظيمات تستهدف التأثير في صناعة القرار، ما يعني أن ما نقصده باللوبي، وبإيجاز تام أيضًا، هو «جماعة التأثير في صناعة القرار».
وينظر إلى اللوبيات على أنها من أهم ملامح الدولة الحديثة، وقد تطورت في الربع الأخير من القرن العشرين، لتصبح من أبرز الحقائق السياسية في الدولة المعاصرة، وأصبح اندماجها وحضورُها داخل الأنظمة السياسية، جزءاً أساسياً من مكونات الدولة، وباتت الدول تعترفُ بها، وتؤيّدُ انخراطها في العملية السياسية، متفهمة أسبابها ومبرراتها.
وفي العصر الحديث، باتت اللوبيات تتباين كثيراً من حيث حجمها وتأثيراتها ودوافعها، حيث يمثّل بعضها جماعات ذات أهداف طويلة المدى، ويمثّل الآخر منها جماعات متخصصة نشأت كرد فعل لقضية ما، سرعان ما تتلاشى، أو يتراجع تأثيرُها بانتهاء المسألة التي استدعت وجودها، أو بحل القضية التي أنشئت دفاعا عنها.
ويعود تاريخ ظهور اللوبيات لأول مرة في الولايات المتحدة، وذلك بعد أن وجدت المؤسسات الأمريكية نفسها بعيدة عن التأثير في اتخاذ القرار السياسي، في وقت كانت في حاجة ماسة لأن تعبّرَ عن مصالحها، وان توجد لنفسها مواقع قريبة من المشرّعين عبر ممثلين يتبنّون أهدافها، ويمارسون الضغوط للدفاع عنها، حتى تكون التشريعات متلائمة ومصالحها.
هذا وتلعب اللوبيات دوراً محوريًا ومهمًا في الحياة السياسية، وقد حدد مكانها في الأنظمة السياسية هرمياً، بعد الحكومة والبرلمان وقبل مؤسسات المجتمع المدني، ما يعطيها موقعاً مهما في النظام الاجتماعي، ويعكس الأهمية البالغة لدورها وفاعليتها وتأثيراتها.
وعادة ما يسعى اللوبي للتأثير في القيادات السياسية عبر وسائل مختلفة، يأتي من بين أهمها بناء شبكة من العلاقات مع الحكوميين والبرلمانيين، ورجال الدين والقانون والقضاء، والخبراء الإستراتيجيين، والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين وغيرهم من أصحاب النفوذ والتأثير في الدولة. ويعتبر «رصيد» اللوبي من العلاقات في هذه الأوساط مجتمعة، هو أساس تحركه، وعمله، ونجاحه.
ولا يقتصر وجود اللوبيات على مجتمع دون آخر، أو على نظام سياسي دون غيره، حيث توجد هذه الجماعات، في كافة المجتمعات والنظم بقوة وتأثيرات مختلفة، وبدرجات متباينة ومتفاوتة، لا فرق في ذلك بين دولة متقدمة، أو أخرى نامية، أو أقل نموا، ولا تمييز بين دولة صناعية، أو زراعية، أو ديكتاتورية أو ديمقراطية.
من جهة أخرى، تمتلك اللوبيات الكثير من مفاتيح القوة والنفوذ والتأثير، سواء داخل الدولة التي تنتمي إليها أو خارجها، فهي تستطيع متى ما توفرت لها الإستراتيجية الملائمة، أن تمثّلَ الدولة في ساحات دول أخرى وان تقوم بدور فاعل جداً في خدمة قضايا أوطانها.
وفيما يخص الموارد المالية، فإن بعض اللوبيات تملك موارد مالية ضخمة، تحرص على توفيرها لتمكّنُها من امتلاك النفوذ والتأثير في عملية صناعة القرار.
ويلاحظ ذوي الاختصاص، أن تأثير اللوبيات بتخصصاتها المختلفة، تتضاءل إذا ما قُورنت بلوبيات المال والسلاح، إذ تُعد شركات صناعة السلاح أقوى اللوبيات، ويعدهم المراقبون بأنهم صنَّاع القرار الحقيقيين.
أما لوبيات المال، فأنشطتها لا ترتبط بوطن، بقدر ما ترتبط بالشركات العابرة للقارات، الشركات العملاقة التي تضع رؤوس أموالها ومراكزها داخل الدول ذات الاقتصادات القوية، فلوبيات المال تمثِّل قلاعاً اقتصادية تجاوزت بقوتها، قوة دول مجتمعة.
ويمكن لنا فهم تلك القوة وحجم نفوذها وتأثيرها، إذا ما علمنا أن إنتاج هذه القلاع الاقتصادية، كان يمثّل منذ سنوات فقط، ما يقارب 25 % من الإنتاج العالمي، وخمس من تلك الشركات العملاقة دون ذكر أسمائها، يتجاوز ناتجها القومي إنتاج 182 دولة.
ويشير المتوفر من المعلومات بأن دخل إحدى تلك الشركات الخمس يفوق دخل دول الأوبك مجتمعة، ويساوي دخل ثانية منها دخل الدنمارك، بينما يساوي دخل ثالثة منها الناتج القومي الإسباني، ويساوي دخل فنزويلا دخل الشركة الرابعة منها .
ولا بد من التنويه هنا، عن أن هذه الشركات، تمثّل طليعة القوى الصناعية الكبرى، وأنها الأسخى تبرعًا وتمويلاً لمرشحي الرئاسة في العديد من دول العالم، ولمراكز الفكر، ودور الاستشارات السياسية والاقتصادية الدولية.
وللحديث عن اللوبي السعودي بقية،،،