د.شريف بن محمد الأتربي
في عام 1992 ومن على أرض المملكة العربية الطاهرة بدأت خطوتي الأولى في رحلة التعليم كمعلم وكان أول يوم دراسي لي يوماً غريباً بعض الشيء، ففي طابور الصباح للمرحلة الابتدائية في مدارس الرياض؛ وفي بداية الطابور عُزف السلام الوطني، وأنشد الطلاب: سارعي للمجد والعلياء...، انتابني شعور غريب في تلك اللحظة فقد اهتزت كل مشاعري وجميع خلجاتي وسرت قشعريرة في جميع أنحاء جسدي ووجدت نفسي أرفع رأسي تلقائياً لأعلى واضعاً يدي بجواره مؤدياً التحية العسكرية للأخضر الخفاق، هذا العلم الذي يكفيه أن يحمل شعار التوحيد، ويحتوي بين طياته حكايات وحكايات تسرد في الكتب والمنتديات، حكايات تقول إننا أصحاب الرأس المرتفع، نحن أمة لا تنحني أبداً سوى لخالقها، نحن الأمة الوحيدة التي لا ينكس علمها أبداً -وبإذن الله- لن ينكس فهو علم يحميه -الله عزَّ وجلَّ- ويقف خلفه رجال على استعداد لبذل أرواحهم دونه وفداء لوطن حماه من قبلهم كل آبائهم وأجدادهم، إنها حكاية علم، حكاية أمة ولدت لتبقى ويندثر أعداؤها.
العلم ُ أصله من مادة (علم) فـ العين واللام والميم أصل صحيح واحد، يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره، ومن ذلك العلامة، وهي معروفة، يقال: علمت على الشيء علامة، ويقال: أعلم الفارس، إذا كانت له علامة في الحرب، وخرج فلان معلماً بكذا، والعلم: الراية، والجمع أعلام، والعلم: الجبل، وكل شيء يكون معلماً: خلاف المجهل، وجمع العلم أعلام، والعقاب: العلم الضخم تشبيهاً بالعقاب الطائر.
والأعلام اصطلاحاً كما عرفها القلقشندي هي: الرايات التي تحمل خلف السلطان عند ركوبه، والراية: العَلَم الصغير، واللواء: العَلَمِ الكبير، وقال الزبيدي العَلَم: رسم الثوب ورقمه في أطرافه، والعلم: الراية التي يجتمع إليها الجند، وكلها يقصد بها: قطعة من القماش تعقد على رمح، أو قائم ليهتدي بها، وتصبح شعارًا دالاً على ما وضع له، وترفع في السلم وفي الحرب، وهي رمز وإشارة لمعنى خاص، لكنها في الحقيقة والدلالة رمز شرف الأمة وأمجاد تاريخها.
ويرتبط الشعب السعودي بعلمه ارتباطاً وثيقاً، فهو معهم أينما حلو، يعبر عن هويتهم، عن ثقافتهم، عن مجتمعهم الذي يعيشون فيه، تجده دائماً في كل مكان خفاقاً مرفرفاً، يحمل بين جنابته حكاية تاريخ صنعه رجال عاهدوا الله ورسوله على رفع كلمة التوحيد والذود عن الدين بكل غال ونفيس.
ويعود صدور الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- والذي ينص على أن يكون يوم 11 مارس من كل عام يوماً خاصاً بالعَلَم باسم (يوم العلم)؛ على الأمر الذي أصدره الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - في يوم الخميس 11 مارس 1937م بالموافقة على قرار مجلس الشورى رقم «354» والذي أقر فيه مقاس العَلَم السعودي وشكله الذي نراه اليوم، بعد رحلة امتدت لثلاثة قرون، توارثته فيها الدولة السعودية في أطوارها المختلفة، كما كان هذا العَلَم شاهداً على حملات توحيد البلاد.
ولكل مكون من مكونات العلم السعودي دلالة عميقة، فاللون الأخضر يرمز إلى راية الإسلام لأنه ومنذ ظهور الإسلام وتأسيس الدولة على يد النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- ارتبط اللون الأخضر بالراية الإسلامية المرفرفة. أما اللون الأبيض، فهو رمز للسلام والنقاء، كما أنه وفقاً للدين الإسلامي ومعتقداته كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب اللون الأبيض فيستخدم اللباس الأبيض عند أداء الشعائر الدينية، مثل الحج، والصلاة، بالإضافة لتكفين الميت ليلقى ربه طاهراً ونقياً. والسيف المسلول يرمز للاعتزاز بالسيف لأنه من التراث السعودي الأصيل والعريق، ويرمز أيضاً للصرامة في تطبيق العدل وموازينه.
لا إله إلّا الله محمد رسول الله.
وفيها دلالة على إثبات تطبيق الشريعة الإسلامية، واتخاذ الدولة للدين الإسلامي في كافة التشريعات، بالإضافة لأهميّة السعودية الدينية لمسلمي العالم في مختلف البلدان باعتبارها أرض الحرمين الشريفين ووجهة الحجّاج القادمين من كل مكان، وقبلة المسلمين في كل صلاة.
إن دلالة العلم للوطن دلالة عظيمة، وما تجد دولة يرتبط شعبها بعلمها إلا وقد عصت على أعدائها، وخلال العقود الماضية شاهدنا كيف كان الانقلابيون في كثير من الدول يسارعون إلى طمس هوية الماضي وكسر ارتباط الشعب بدولته من خلال استحداث علم جديد يلتف حوله أتباعهم ومؤيدوهم ليكون الولاء لهم هم فقط وليس للوطن.
سَارِعِي لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَاء
مَجِّدِي لِخَالِقِ السَّمَاء
وَارْفَعِ الخَفَّاقَ أَخْضَرْ
يَحْمِلُ النُّورَ الْمُسَطَّرْ
رَدّدِي اللهُ أكْبَر
يَا مَوْطِنِي
مَوْطِنِي عِشْتَ فَخْرَ الْمُسلِمِين
عَاشَ الْمَلِكْ لِلْعَلَمْ وَالْوَطَنْ
كلمات ترج كل أعماق مكنون النفس رجا، تثير الحماس والحمية في كل أوصال الجسد، تحفز وتؤكد أننا في المجد محلقين، لله موحدين شاكرين، ولعلمنا رافعين، نحن فخر المسلمين، خلف قادتنا مدافعين عن علم ووطن نعيش فيه آمنين.
** **
- مستشار تدريب وتعليم