رمضان جريدي العنزي
لم تعد للمقبرة هيبة، ولا للدفن هيبة، ولا للموت عظة، ولا لمجالس العزاء خاصية مغايرة، صارت هذه الأماكن مجرد محطات للضحك والابتسام والقهقهة ومناقشة المشاريع، ومتابعة الأسهم علواً وانخفاضاً، ربحاً وخسارة، ومتابعة نتائج الدوري، وترتيب الفرق، وتبادل الأخبار والمستجدات في السياسة والأحوال الجوية والمال والاقتصاد، لم تعد المشاعر مشاعر، ولا التصرفات تصرفات، ولا المشاركة الحسية والوجدانية فعالة.
ما نراه اليوم عند المقبرة، وفي مجالس العزاء شيء مختلف، لا يصدقه العقل والمنطق، والقيم الدينية والإنسانية، صارت مجالس العزاء للتفاخر والتظاهر التي غزت تفاصيل حياتنا وغيرت كل شيء فيها، لقد كان للموت في الماضي وقع وهيبة ووقارٌ، عكس هذه الأيام التي أصبح الموت فيها وكأنه احتفاء بالمتوفي، وفرصة (للفشخرة) والوجاهة، من خلال إقامة الولائم الكبيرة والتي ينتج عنها الإسراف والتبذير اللامعقول.
لقد كان العزاء في الماضي بسيطاً، يسهم في تخفيف مصاب ذوي المتوفي، ويرفع من معنوياتهم، ويشجعهم على الصبر والسلوان، واحتساب الأجر، والرضا بالمقدور، والدعاء لهم بالثواب وحسن العقبى، والدعاء للميت والترحم عليه، أما الآن فقد تشعب وتلون وأصبح كأنه فرح وليس ترحاً، صار العزاء مجرد (برستيج) واستعراض لقدرات ومكانة المتوفي وأهله، و(اتكيت) مناسبة اجتماعية ليس إلا.
حقيقة كم هو مؤلم ما يحدث في مجالس العزاء، وفي المقبرة وعند الدفن، فطقوس العزاء أصبحت لا تتناسب مع مصيبة الموت، بل أصبح بعضها كأنه عرس، أو احتفالية تخرج، إن التهريج الذي يمارس في أروقة العزاء كارثة تصيب النفس بالتوتر، بعد أن أصبح مشهداً لا يليق بحدث المصيبة، لقد حول البعض مجالس العزاء إلى ما يشبه الأفراح والتسلية وقضاء الوقت، بعد أن ابتعدوا كثيراً عن المعاني الحقيقة للتعزية.
إن على الجميع إعادة النظر وتصحيح المفاهيم حول مظاهر البذخ والتكلف والمبالغة في إقامة مجالس العزاء ومناسبات الوفاة، وكأنهم يقيمون احتفالية توديع المتوفي والعياذ بالله، إن على الجميع الاقتداء بسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، فلم يقيموا مجالس العزاء، ولم توجد لديهم مظاهر التكلف والبهرجة والتفاخر التي نشاهدها اليوم، ما يحدث اليوم في مجالس العزاء لا يقبل به عقل عاقل، ولا حكمة حكيم، ولا يتماشى مع تعاليم الشرع الحنيف، بل يعتبر باطلاً، ومن العادات السيئة والتي يجب ألا تكون أو تحدث.