برنارد جيكوسكي - مجلّة «ريدرز دايجست» نوفمبر 1947
كُلّنا إلى حدٍّ ما، نتظاهر بغير ما نحن حقّاً عليه، أنصت إلى نفسك في المرّة القادمة حين يسألك أحدٌ ما عن مهنتك؛ هل إجابتك تتطابق مع إجابة مديرك أو زملائك؟
أنصت إلى أيّ نقاش يدور حول الرياضة أو السياسة أو الأزياء أو الطقس أو الزواج أو الطاقة الذريّة، كم في الغالب نسبة من يعترف بأنه ربّما لا يعرف عن الموضوع إلا أقلّ من الشخص الذي يحاوره؟
كم في الغالب من أصدقائك من يعترف بجهله في أيّ موضوع؟
كم في الغالب يمكن أن تعترف أنت بذلك؟
لا تُجب على هذه الأسئلة الآن، بل فكِّر فيها جيّداً.
نحن نُحبّ أن نُظهر أنفسنا أشخاصاً ذوي أهميّة، وعلى مستوى عالٍ من الذكاء والمعرفة، لأننا نتوق إلى التميّز والإطراء، فنختار لأنفسنا مكانة تعجبنا، ونعتقد لذلك أنها ستنال إعجاب الآخرين.
تقول (أليس آدامز): «إن الشيء الوحيد الجيّد في الإدّعاء غير الحقيقي، هو متعة خداع أنفسنا بأننا خدعنا أحدٌ ما»!
فنحن نتمسّك بالمظاهر لأننا لا نتحمّل مواجهة أنفسنا كما نحن على الطبيعة، فنبني صورة مزيّفة لشخص مثالي يتّصف بالذكاء والفعالية ورضا الناس التّام، ونسعى جهدنا للتّشبه ظاهرياً بها، لكننا لا نشعر بالسعادة حيال ذلك التظاهر الخادع ولا براحة الضمير، لأننا نعيش في حالة من التوجّس خوفاً من أن ينكشف أمرنا يوماً ما، ونُصاب بحالة دائمة من التوتّر العصبي.
والحلّ في ذلك يكمن في أن نؤمن بأن كلّ تصرّف يمكن أن يُضعف تظاهراً كاذباً، سيقوّي شعورنا بالإنجاز والارتياح.. يقول (وليام جيمس): «بأن التوقّف عن الادّعاءات الغير حقيقية مصدر للارتياح النفسي، وسبب للشعور العميق بالقناعة والامتنان بما نملك من النِعَم».
إبدأ بتذكير نفسك بأن هذا العالَم الفسيح الذي نعيش فيه يمتدّ بلا حدود، وأن معرفتنا به أقلّ القليل، وعندما تؤمن بهذه الحقيقة فإنك ستتنفّس الصُّعداء وتبدأ باكتشاف بعض الصفات المزيّفة التي كنت تتظاهر بها وكانت تُغلّف جوهر شخصيّتك الحقيقية.
بالطبع هذه الشخصيّة ليست ملاكاً، بل شخص مثل أيّ إنسان آخر؛ لديه مخاوف ونقاط ضعف ورواسب عنصريّة وميول عدوانيّة.. ولكنك لو أعطيته فرصة كافية لوجدت لديه العاطفة وحُبّ الناس والروح المرحة والقُدرة على التفاعل الإيجابي مع أمور الحياة التي تحيط به، كلّ ذلك سيتمّ بوسائل لم يسبق أن أتيح له المجال للتعبير عنها أثناء فترة عزله في إطار التظاهر الجامد.
عندما تعرف نفسك جيّداً فستسنح لك الفرصة لتُظهر أفضل ما فيك من الصفات الإيجابية، فكلّ الطاقة التي كانت تُستهلك في المحافظة على المظاهر الخادعة، وكل القوى التي كانت تُبدّد في الخوف والترقّب سوف تنطلق بحُريّة على سجيّتها.
سوف لن تشعر كما يشعر بعض الناس، بأن الحياة عبثيّة لا طائل منها، وأن لا فائدة من محاولة تغييرها إلى الأفضل.
سوف تكون أقلّ تصلّباً وأقلّ سرعة في الانفعال، وستكون متواضعاً وأكثر اهتماماً بالآخرين، وهذه هي صفات الشخصيّة المُحبّبة للناس.. ومع أن هذا ليس بالهدف الرئيسي، لكنه نتيجة إيجابية تبعث على السرور.
ولذا ففي المرّة القادمة، حين تجد نفسك متوتّراً مستعدّاً لتقمّص شخصية المتظاهر بمعرفة كلّ شيء، قم بطرح الفكرة جانباً، وحاول أن تقول لنفسك: أنا لا أعرف شيئاً عن هذا الموضوع، أو قُل: أنا لست جيّداً في هذا المجال، قُل: لقد كنتُ مخطئاً، أو قُل: يبدو أن الأمور اختلطت عليّ.. أليس كذلك؟
هناك بالطبع خطر من الاعتراف بعدم معرفة شيء والوقوع في خطأ ازدراءه أو تجاهله، فعندما تقول صادقاً: بأنك لا تجيد لُعبة (البولينج) مثلاً، فليس هنالك داعٍ لأن تضيف: بأنها لُعبة سخيفة ولا يلعبها إلا المُغفّلون! ولذا فبإمكانك القول: إنك تُحبّ هذه اللعبة، ولكنك في الحقيقة لا تُجيدها كما يجب.
كيف يُمكنك التأكد من أنك استخدمت هذه الوصفة كما يجب؟
يوجد لحُسن الحظّ اختبار بسيط يكشف ذلك ويجعلك تشعر بأنك في حال أفضل، وهذا الاختبار هو التطبيق التدريجي المُستمر.
وأخيراً، فكثير منّا يلزمه وقت طويل للتغيّر إلى الأفضل، ولكن كما يُقال: «لا يمكن لأحد أن يعبر المحيط، ما لم يُغادر الشاطئ أولّاً»! .. أتمنّى لكم رحلة بحريّة سعيدة.
** **
- أحمد بن عبدالرحمن السبيهين
Twitter: @aalsebaiheen