في إحدى وعشرين قصيدة قدم الشاعر سعد الرفاعي طبقات من الاحتياجات الطفلية كتبها بعاطفة أبوية لا تخلو من التربية والتوجيه المباشر، ففي ظل انتشار القصة نلحظ انحسار الشعر الموجه للطفل مقارنة، وفي معيار الوفرة.
في تجربته الشعرية الأولى أصدرت دار كادي ورمادي ديوان «أناشيد عمر»، للشاعر سعد الرفاعي والذي عبَّر الرفاعي من خلال أناشيده عن مكونات الشخصية الطفلية بالتوازي مع حاجاته النفسية والوجدانية، ليكتب عن الاحتياجات الروحية، والاجتماعية، والثقافية، وفي مجملها تصنع هوية متوازنة للطفل، ونرى أناشيده متوزعة على النحو الآتي:
التوجية الروحي
الكعبة
الفروض الخمسة
قرآني
فضائل السورد
طيبة
القدس
الطفل المسلم
التوجية الثقافي
كتابي الحبيب
المعرفة سؤال
الألوان
أستاذي
إشارة المرور
الأعداد
التوجيه الاجتماعي
الصديق
حكاية سمير
عمر والشجر
الرأى والاختيار
هيا نتحاور
جدتي
وطني
أحمد
يعبر الشعر في طبيعته الأولية عن حالات وجدانية فردية، وينحو الشعر للانزياح التعبيري والاستعانة بالبلاغة الفنية من صور وأساليب بيانية والاستعانة بالرمز، أما في «أناشيد عمر» فنرى اللغة قد قُدمت بشكل مباشر في بعض الأناشيد، يتخللها عدد من الكنايات والصور البلاغية المبسطة، ليقدمها الرفاعي للطفل المعاني بشكل مفهوم وفق صياغات بسيطة تنأى عن الرمز في معظمها، فتكتسي الأناشيد بمفردات بسيطة تتناغم مع أفهام الصغار بموضوعات تتعلق بحياتهم اليومية، مستعينًا باللغة الوصفية، وبالسعي أكثر إلى غرس العاطفة للقيم السامية.
في الأنشودة التي طالعتنا كانت بعنوان «الكعبة»، بما لهذا المكان المقدس من هيبة وإجلال، وفيها يحكي عن مناسك العمرة منذ دخول الحرم المكي حتى الخروج منه: «القلب طمئن بالطهر والصفاء»، وهذا الطهر مؤدى الصلاة « فإنها الفلاح والطهر في الأبدان»، وذلك في أنشودة «الفروض الخمسة»، وكذلك في أنشودة «طيبة» حيث « طُهر الآمنين لروضة الهادي الأمين»، فهذا التوجيه الروحاني الديني يعزز العقيدة عند الطفل المسلم، والذي يحدد ملمحه بـ:
شهادتي التوحيد
ومصحفي إمامي
قدوتي الرسول
الهادي للأنام
كل ما سبق يقود لتنشئة طفل مسلم قويم بتمسك بهويته ويدافع عن قضاياه العادلة ضد الظلم والاحتلال، ففي أنشودته «نشيد القدس» يقول الرفاعي:
خبِّروا الأعداء أنّا
نحوهم لن نستكين
سوف نمضي بحماس
وعزم لا يلين
فجنود الحقّ دومًا
في ثبات ويقين
وبغاة الظلم هم
زائل لو بعد حين
هذا الاعتصام الذي يؤكده الشاعر نراه في أنشودتين بعنوان «قرآني» و»فضائل السور»، والتي مثلاً يعدد فيها سور تبارك والكهف والكافرون، وما لها من فضل في تربية النفس والأجر يوم الدين.
تتقاطع التوجيهات الروحية مع التوجيهات الاجتماعية والثقافية بالضرورة لتعلي قيم التواصل والاحترام والرحمة، فالروح المتفردة لكل طفل ستندمج تلقائياً بمجتمعها المحيط لتعبر عن مدى تمكّن القيم الروحية منعكسة على السلوك الاجتماعي كون الأفكار مرآة المشاعر، والشاعر هنا يخاطب مشاعر الطفل لينقله إلى مسالك الفعل الإيجابي كما في أنشودته عن «الصديق» والعلاقة بالآخر، خاصة أن الطفل في المراحل المبكرة يرى نفسه محور الحياة، وبما ناله من الاهتمام المتفرد من والديه لإشباع احتياجاته الأساسية من رعاية في المأكل والمشرب والملبس وغيرها، ومع نموه تتطور احتياجاته ليتكفل الوالدان والمدرسة والمجتمع بالتربية فيتعلم الاختيار الحر:
فاختر صديقًا صالحًا
يسمو إلى خير الطرق
وفي أنشودته «المعرفة سؤال»، يقدم الرفاعي صورة نموذجية عن التواصل الإيجابي:
فسؤالك عقل يتفكر
ويحلل معنى الأقوال
تلك الدعوة الصريحة تعبر تمامًا عما يحدث للدماغ عندما يتفتح على الأسئلة ويشعر بحرية النقاش والتفاعل الفكري مع الآخرين:
فلتسأل هيّا وستكبر
وهو ما يحدث حقيقة في مناهج التعليم المعاصرة التي تقوم على التساؤل والبحث والتقصي، وتهدف لتنمية فضول المتعلمين الصغار، وتدفعهم نحو الاكتشاف والمعرفة والتعلم، ويتحقق الأمر أيضًا من خلال الحوار المتبادل القائم على التعبير المنطقي والاستماع التفاعلي في أنشودة «يا نتحاور» يقول:
تفكيرك فاجعله صوتك
ووجودك حيًّا لا موتك
ومحاور لا يعني لاعب
بل عقل للفهم يخاطب
فتعلم أن تنصت سمعا
لتحاور في أدب جمعا
يتحقق التعلم من المصادر المتنوعة ولذا نجد الشاعر يشجع الطفل إلى القراءة، وتعد مفتاح العلوم، فيصف الكتاب الحاوي معارف الطفل بـ«كتابي الحبيب»، فينشد:
فيه حكايات تحلو
يشدو بأناشيد عِذاب
فيه حروف ومعاني
فيه طريق الآداب
تعزز القصص الروابط العاطفية والتلقائية بين الطف ل وذويه عند القراءة له بصوت عالٍ، فمن المعلوم بحثيًا أن هذه الممارسة تعد واحدة من الممارسات الفضلى في تعليم الطفل وتقريبه وجدانيًا وفكريًا، وتوجيهه نحو حب القراءة، وكسر حواجز التعرف إلى مفهوم القرائية عمومًا، وفي أنشودة «أحمد» يقول الرفاعي:
في كل مساء تجمعنا
قصص لتغط بأحضاني
بحكاية نوم ما اكتملت
نبدأها في اليوم الثاني
إن العلاقة المتحدة بين القراءة والكتاب توجه نحو تربية رصينة قصدية يقدمها الأهل والمعلمون وكل القائمين على الاعتناء بالطفل، لذا نجد الرفاعي لم يغفل عن دور المعلم في حياة الأجيال الطرف الأصيل في العملية التعليمية، يتواصل معه الأطفال منذ نعومة أظفارهم، وفي ذلك يعبّر:
بالحبّ الصّادق ترشدني
لتهذب نهجي وخلالي
للفكر تجدد آفاقًا
لأحصَّن بالفكر العالي
إن اجتماع العاطفة والفكر في العمل يعزز عند الطفل هويته الإنسانية من خلال احترام مشاعره وقدراته الفكرية، ولعل من أعلى مقامات القدرات الفكرية التفكر؛ أي إعمال الفكر والاشتغال على الخروج الصافي بالمعاني الخاصة بكل فرد وفق نظرته الذاتية، والتفكر في خلق الله -عز وجل- يثبت العقيدة الإيمانية التي تخلق إنسانا سويًا مستقيم العمل قويم الخلق، وفي دعوته المباشرة لابنه عمر ومن خلاله موظفاً أفعال الأمر، يوجّه الرفاعي الدّعوة والنصيحة إلى أطفال الأمة كذلك:
بنيّ يا عمر
تأمّل الشجر
تعلّم العطاء
من قصة الشجر
تعلّم الكرم
من روعة الشجر
واحرص على الغراس
ففيه المدخر
وبين تلك الأبيات التي أوجزتها في العرض هنا يشرح الشاعر أجزاء الشجرة، وقد يصلح هذا الشرح لدرس العلوم في مراحل الطفولة المبكرة، إذ تغني المعجم العلمي للطفل، وتسهل عليه حفظ المحتوى، وتدعم فهمه، كون ترديد الأناشيد من الإستراتيجيات الفاعلية في تعليم الصغار.
وختامًا، توجه «أناشيد عمر» الطفل إلى تعزيز هويته الدينية والوطنية والفكرية والذاتية، ضمن نصوص قريبة من لغة الطفل، وقد ترفع من سقف التحدي في بعض المواقع لتولد فضولاً للتساؤل عن تلك الكلمات الجديدة، فيتعرف الطفل إلى معاني ممتدة في حياته، ويوظفها بفصاحة بديعة يسعى الشاعر سعد الرفاعي إلى الارتقاء بها عند الاستخدام الطفلي للغته العربية بجمال وَرُقِيّ.
** **
د. ريما زهير الكردي - ناقدة، ومؤسس منصة جنى القراءة