عملت لسنوات في وزارة الإعلام، في مجال فسح الكتب، ومراقبة المطبوعات في معارض الرياض الدولية للكتاب، وقابلت مثقفين كثراً، فمنهم من انتهت علاقته معي فور انقضاء حاجته، ومنهم من امتدت به الصلة معي إلى اليوم، ومن أولئك الدكتور المفضال محمد بن عبدالله المشوح صاحب دار ومنتدى ومكتبة الثلوثية الشهيرة.
وكنت أقول: إن كان للمثقفين عوضاً بعد وفاة الوجيه الجواد عبدالمقصود خوجه فإنه الدكتور محمد المشوح، لما شاهدته ويشاهده غيري من إسهاماته الواضحة عبر منتداه الشهير في تكريم رموز الثقافة في بلادنا، فما يفتأ يكرِّم علماً حتى يجهّز لتكريم آخر.
لقد احتضن المشوح رفاق دربه من أرباب الثقافة بأخلاقه وتودده قبل ماله، وسعى في تشجيعهم وطباعة كتبهم، سواء كانوا من الرموز أمثال العبودي، أو من صغار الكتَّاب أمثالي.
إن مما يميز الدكتور المشوح، هو تفانيه في خدمة ثقافة بلاده من جميع النواحي، فعلى الرغم من انشغاله بعمله في مجال المحاماة والتحكيم وارتباطاته الأسرية والاجتماعية، إلا أنه سخَّر وقته وطاقته لتأسيس مكتبة الثلوثية والمشاركة بها في جميع المعارض الدولية حتى غدت من أشهر المكتبات في المملكة، ومع أنها لم تتأسس إلا قبيل سنوات خلت، إلا أن فيها ما لذَّ وطاب من صنوف العلم والمعرفة خاصة ما يتعلَّق ببلادنا من جميع النواحي.
ومما يميزه أيضاً كرمه وجوده فهو ممن يصدق فيه قول الشاعر:
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولا والله أبالغ، فشهادتي فيه ليست مجروحة، بل صادقة ومنصفة، فكل من عرفه يعلم عنه ذلك، وأكرم بهذا الخلق النبيل الذي لا يتميّز به أحد إلا أعلى الله شأنه ورفع منزلته بين خلقه.
ومن المواقف الطيّبة لأبي عبدالله هو أنني عندما انتهيت من تأليف كتابي عن الوراق اليمني أحمد كلاس، عجزت أن أجد له داراً تنشره، أولاً: لأن موضوعه عن شخصية مغمورة، ولا يهم سوى شريحة خاصة من القراء، وثانياً: لأنه صادف أزمة وباء كورونا وهي لها تأثير من الجانب المادي على سوق النشر وغيره، فهاتفت الدكتور المشوح، وأعلمته بقصة الكتاب وهدفي من تأليفه، فشكرني وأبدى استعداده لنشره دون أن أدفع أية تكاليف مادية، ثم لما طبعه زوَّدني بما أرغب فيه من النسخ، فجزاه الله عني خير الجزاء.
هذا قليل من كثير، مما أعرفه عن صديق الجميع الدكتور محمد المشوح، الذي أسأل الله أن يبارك له في ماله وعمله وعلمه، وأكتفي بقول فارس البادية راكان بن حثلين:
ما قلَّ دلَّ وزبدة الهرج نيشان
والهرج يكفي صامله عن كثيره
** **
- مسعود بن فهد المسردي