الثقافية - أحمد الجروان:
حديث عن الأدب والثقافة والإبداع، تستضيف فيه الجزيرة الثقافية هذا الأسبوع د. زينب إبراهيم الخضيري، وهي: مستشار ثقافي، أديبة وروائية وكاتبة في جريدة الرياض السعودية، عملت كمستشار ورئيسة لمبادرة التفرغ الثقافي بوزارة الثقافة السعودية، وأستاذ مساعد بجامعة الملك سعود، لديها 14 كتاباً ما بين الرواية والقصة والنقد، ومؤسسة لمشروع بيت الرواية، ولها العديد من المحاضرات الثقافية داخل المملكة وخارجها ومشاركات في التلفزيون والإذاعة، والعديد من اللقاءات الصحفية.. فإلى نص الحوار..
* الروائية الدكتورة زينب الخضيري.. ما هي أولى خطواتك لعالم الكتابة؟
- لا أستطيع أن أحدد مرحلة معينة، ولكن علاقتي بالكتاب بدأت منذ طفولتي المبكرة من قصص الأطفال ثم الكتاب المدرسي، وكنت أعشق الكتب ربما لأن الأجواء في منزلنا كانت محفزة على القراءة، ووجود مكتبة والدي في المنزل شكلت علاقتي بالكتب، كان لدي هواية في صغري وهي جمع القصص ثم قراءتها في إجازة الصيف, وساعدني عامل مهم في المنزل وهو شخصية والدي المحبة للاطلاع فكان رحمة الله عليه يحب الكتب وغالباً ما يحضر إلى المنزل إصدارات بعض المكتبات التي لا أتذكرها الآن، كذلك قصص الأطفال, والصحف التي كانت وجبة يومية لوالدي، كانت القراءة فعلاً لازماً في البيت، وحدثاً عادياً، فكان الكتاب مألوف ومحبب وجوده في المنزل بالإضافة إلى وجود المكتبة التي ورثها والدي عن جدي وفيها الكثير من الكتب المختلفة من كتب التراث والسير والشعر وغيرها.
* ما هي طقوس الكتابة لديك، وكم من الوقت استغرقت كتابة أطول رواياتك؟
- ليس لدي طقوس خاصة جداً إلا أنني أعشق الهدوء مع العلم أنني استطيع الكتابة في الأماكن المليئة بالناس والحركة مثل المقاهي، الطائرة، وفي أي مكان، فالحالة المزاجية التي تتلبسني عند الكتابة تكون مختلفة، فعملية توليد الأفكار واستنطاقها تحتاج مجهود مضاعف، وهي جزء من حياتي فلدي عدد ساعات معينة يومياً انعزل فيها عن العالم الخارجي، اقفل هاتفي لأكتب وعادة ما أحب الكتابة في ساعات الصباح الباكر، إلا أن الأهم هو الاستمرارية والانضباط والمثابرة في الكتابة، فمع التكرار تتولد الأفكار، والقارئ في النهاية لا يهمه طقوس الكاتب هل أمامي «فازة» مليئة بالزهور الملونة مع أني أحب الزهور الصفراء لأنها تعطيني طاقة حماس للكتابة ولكن لا يعني عدم وجودها أنني لا استطيع الكتابة، أيضاً أسافر خصيصاً لأكتب وهذه عادة أقوم بها عندما يصعب علي استحضار الأفكار.
س: هل الناقد الأدبي مهم في مرحلة ما قبل نشر الرواية بوجهة نظرك، ولماذا؟
- تدخل الناقد الأدبي قبل النشر قد يؤذي ويضر العمل لأسباب كثيرة، فالفكرة هي العمل الإبداعي والذي ومن وجهة نظري يجب ألا تطوله أيدي النقاد حتى ينتهي، والملاحظ على الساحة الثقافية أن النقد الأدبي يخضع لمزاج الناقد وللعلاقات الشخصية أكثر من خضوعها لمقاييس النقد والأدب، لذلك لا أفضل النقد قبل النشر.
* سيدة محترمة ضمت العديد من القصص القصيرة، لما لم تكن رواية، أم لأنها تجربة أولى للنشر؟
- كنت أترقب هذا الكتاب بخشوع مشوب بالخوف والرهبة والفرح، مشاعر مختلطة ولكنها مشاعر البدايات الجميلة التي يرقق بعضها بعضاً, وكان «توقيع سيدة محترمة» لجس النبض ورصد ردود الأفعال، ونصوص هذا الكتابة كانت منشورة في مدونتي» باندورا»، وأردت أن أجرب النشر، وهذا لا يعني أنني لم أكتب الرواية فأول ما كتبت هي رواية واقعية أبطالها يعيشون بيننا، ولكن الرواية نفسها طويل وتحتاج إلى خبرات حياتية أكثر وقراءات مطولة، والخوض في كتابة الرواية كمن يخوض في معركة مليئة بالأهوال، لذلك اخترت كتابة القصة في البداية وهذا لا يعني أن كتابة القصة سهلة.
* لديك 14 إصداراً، ما هو الإصدار الأكثر رواجاً ولقي أصداءً لدى الجمهور الثقافي؟
- كل إصدار في حينه يكون أكثر حباً ورواجاً، ولكن رواية «على كف رتويت» كان لها صدى كبير جداً ورواجاً أكبر.
س: قلت مرة لأحد الصحفيين «إنكِ تنتظرين معارض الكتب وتحتفلين بها مثلما تنتظرين عروض الأزياء وأسبوع الموضة في العالم « ما هو دور معرض الكتب في حياتك؟
- معارض الكتب هي تظاهرة كبيرة، واعتبرها فرصة للتلاقح الفكري واللقاءات الثقافية بين المثقفين والباحثين والناشرين، وهمزة وصل تتيح لي لقاء عملاق ممتزج بالكثير من المعارف والثقافات والعناوين الكثيرة للكتب المرصوصة بعناية في جنبات المعرض، إن التنوّع الثقافي الذي يشهده أي معرض كتاب هو استجواب واسع للعقول، واستنطاق لحدودها المعرفية، كذلك يعرض الثقافة كخدمة ويطرحها في السوق، لذلك غالباً ما تكون هذه المعارض شغف للكاتب وفرصة للناشر ومؤنس للمثقف.
* هل تعتزمين تحويل إحدى رواياتك إلى سيناريو فيلم قصير أو طويل؟
- هذه خطوة مستقبلية وتعتمد على نوع الرواية هل تصلح كفيلم أم لا، فبعض الروايات تفقد بريقها بعد تحويلها إلى فيلم، والواقع أن لدي بعض العروض لتحويل رواياتي إلى فيلم ولكن من وجهة نظري الموضوع يحتاج إلى دراسة وتأني.
* لماذا الرواية؟ وأنت كتبت في مختلف المجالات؟ هل لأن هذا زمن الرواية؟
- الإجابة على هذا السؤال يطول شرحها، وبطبيعتي أحب المغامرة والتجريب في كتاباتي، مرة أجرب القصة أو القصة القصيرة جداً، النصوص الأدبية النثرية، ثم تجتمع كل هذه الوجوه دفعة واحدة في وجه واحد وهو الرواية، لتظل الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر تعبيراً عن رؤيتي ومشاعري وأفكاري ونظرتي تجاه الحياة، فهي أشبه بحياة موازية أعيشها، وكروائية دائماً لدي هموم مشتركة مع البشر مثل الصراع، الحب، الرغبات، والقضايا الكبرى الوجودية، فنحن نشبه بعضنا فيما نعيش به وفيما نتألم من أجله، فالعالم هو مكان للجميع ويضج بهم، والآخرون يعطون شكلاً للحياة ويزودون الروائي بالكثير من المشاعر، فالكاتب الذي يرفض كل شيء ويتصيد ما يروق له ويتوافق مع أهدافه هذا غير أمين على الواقع، فالالتزام بالحقائق هو أساس الكتابة، ويجب أن نعي أن في داخل كل روائي معركة قائمة بذاتها، فيظهر له البائس والسعيد الفقير والغني الشجاع والجبان وأمام هذه الحياة المليئة بالتناقضات لا يستطيع الروائي أن يتخندق في صف احد أبطاله بل يصنع الحكاية ويتفرج عليهم وهم يتصارعون, لذلك أصنع من الرواية حياة كاملة متعددة ومختلفة تستنطق كل مشاعر أحسها ورؤى اعتنقها، ويكون للرواية قراء من نوع خاص، قارئ مرتاب، قارئ يحلل ويفكر، لذلك هي أداة للتغير والثراء الفكري.
* كيف ترين حال الرواية في عالم يمضي نحو الصورة؟
- ربما نسأل كيف هو حال القراءة، فهذا التسارع وهيمنة الأجهزة التي بين أيدينا لا تعطينا فرصة للتركيز أو حتى الالتفات للوقت أصبحت الحياة هي التنقل من برنامج لآخر, والصورة هي اللغة التي نتعامل معها فأي برنامج أو منتج ننظر لصورته إذا أعجبنا انتقلنا لتفاصيله، ولكن هذا لا يمنع علاقتنا بما نحب، أحياناً تكون المسألة تعويد واهتمامات, والذي نحبه مهما تقادم نظل ندين له بالولاء، وبالحديث عن حال الرواية في عصر الصورة، أقول أن الرواية بالنسبة لي هي عمق واكتمال، ومن يحب الرواية بالتأكيد لن يتخلى عنها لمجرد مستجدات فالعلاقة بين الكاتب والقارئ والرواية علاقة أكبر من مجرد موضة عابرة أو برنامج جديد، هي محبة واهتمام لأنها صنف أدبي حيوي ويتطور بصورة سريعة وفيها الكثير من التناقضات والتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتهتم بالمعرفة الإنسانية، بعض الروايات تكون مليئة بالأفكار، وبعضها بالمشاعر، هي شكل من أشكال الكمال الأدبي.
* يقال إن الروائية زينب الخضيري تعيش الحب في حياتها الخاصة كما تكتبه.. وكتابك دعوة للحب ما هو إلا تداع لهذا الإيمان القوي بالحب.. حديثنا عن كتابك دعوة للحب.
- الحب ليس نوعاً من الرفاهية النفسية، ولكنه أحد أشكال العلاقات الإنسانية المهمة جداً، فهو نابع من عمق الإنسان الحقيقي، وهو من خواص الإنسان الطبيعي، ومن امتيازاته، حيث إن مشاعر الحب تبقى فوق القياس والتجربة، وطبقاً لما قاله الشاعر والروائي (هيرمان هسه): «ليست وظيفة الحب أن تجلب السعادة، بل إني أعتقد أنه موجود ليبين لنا قدرتنا على الاحتمال». اتفق معه فيما قاله، فالحب ليس نزهة ترفيهية للمشاعر بل هو حالة تتلبس الروح والقلب، فالإنسان محكوم عليه بالحب، لذلك الحب صالح لكل زمان ومكان وهو شرفة تجعلك تطل على العالم بكل شفافية، فهو ينفذ للروح كالضوء وكالحقيقة في فم حكيم، فالحب هو إحياء للطفولة التي ماتت فينا بفعل طاحونة الحياة المعقدة التي دهستنا تحت عجلتها وأفقدتنا معنى أن نكون نحن بلا رتوش، فالإنسان ما لم يكن الحب قد عمّر قلبه وروحه فلا يمكن أن تنجح أي خطة في أن تحدد مساره أو تبني طريقاً له في الحياة، فبعثرة المشاعر لا يرتبها غير الحب، لذلك يجب أن يكون الحب حاضراً في حياتنا فإذا حضر حضر معه إخوته الرفق واللين ونحن نحتاج للرفق واللين في تعاملاتنا وحياتنا اليومية فالبشاعة التي تحيط بنا في هذا العالم يصعب احتمالها فلنترفق ببعضنا ولنحب بعضنا، وننشر حالة الحب، ونعيش بفطرتنا فكلما كان الإنسان أقرب إلى طبيعته الفطرية حيث التلقائية بعفويتها وتعبيراتها وانفلاتها من قيد عالم الكبار كلما تواجد الحب بقلبه بكثرة, وبقدر حظ الإنسان من فطرته الأولى سيدرك الحب الحقيقي.
* كيف تصفين الحراك الثقافي؟
- ما تشهده مملكتنا الحبيبة من حراك ثقافي اجتماعي اقتصادي شيء يدعو للتفاؤل والإيجابية، الجميع في بلدي متفائل بالتغيرات الإيجابية التي يقودها ولي العهد الأمير الشاب الطموح محمد بن سلمان وفق الرؤية الوطنية 2030والأمور العظيمة تبدأ بالأحلام، نحن في السعودية بدأنا فورًا بالعمل والمشهد الثقافي في حراك مثمر وعظيم سواء على مستوى وزارة الثقافة أو على مستوى المثقفين الأفراد، وحتى المبادرات الشبابية الجميع متفاعل مع هذا الجو المفعم بالإيجابية.» أنا لدي حلم» كانت هذه أشهر كلمات قيلت في القرن العشرين لمارتن لوثر كينغ عند النصب التذكاري لإبراهم لنكولن وكانت أشهر خطبة قيلت في تأريخ أمريكا وكانت في دعم الحريات وبالفعل تحقق ذلك الحلم والأمير محمد بن سلمان منذ أول يوم قال بكل وضوح» أنا لدي رؤية «وعلى الفور بدأ العمل لتحقيق الإنجاز الكبير ونحن جميعًا نعمل تحت إدارته لتحقيق رؤيتنا العظيمة وحلمنا وستكون هذه الكلمات أعظم كلمات في تاريخنا الحديث.
س: ما هي آخر رواية قرأتها؟
- الرواية الكورية باتشينكو للروائية مين جين لي.
* شخص أثَّر عليك في حياتك، وكان سببًا في نجاحاتك؟
- والدي رحمة الله عليه.
* زينب الخضيري إلى أين مستقبلاً؟
- إلى حيث يتجه الإبداع.
** **
@a_jarwan