د.منال بنت عبدالعزيز العيسى
لاشك أن للتعليم أهمية كبرى في مسيرة المملكة العربية السعودية طوال العقود السابقة سواء أكان ذلك من خلال البعثات العلمية في مطلع سبعينيات القرن الماضي أم ما تلاها من بعثات في بداية القرن الحالي، لكن بالعودة لتأصيل وتتبع ذلك الحراك العلمي الذي أنتج قيادات تبوأت كثيرًا من المناصب الحكومية والخاصة في الفترتين الماضية والحالية أعتقد أننا بحاجة لتأطير المشهد الأكاديمي وتأثيراته على الحراك الثقافي والعلمي والحضاري في المملكة العربية السعودية؛ بما يشكل إعادة تقييم للهوية الأكاديمية في ظل المستجدات التاريخية التي تعيشها المملكة العربية السعودية بقيادة سيدي ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- ورؤيته الخلاقة لإعادة بناء دولة جديدة وفق أحدث الإستراتيجيات الحضارية والتاريخية والعلمية والبشرية، فكيف يمكن تقييم ذلك التأثير؟
عادت تلك الأجيال في مراحلها التاريخية المتسلسلة لتمارس تعليمها الأكاديمي من خلال أروقة الجامعات، ثم تسلسلت مهنيا في مراحل عدة من القيادة بمختلف مستوياتها: الخاصة (داخل المنظومة الجامعية ) والعامة ( داخل منظومة الدولة )، فكان منهم الوزراء والوكلاء ورؤساء الهيئات الخاصة بالدولة ورؤساء الشركات السعودية الحكومية والخاصة ، ونحن نفخر بتلك القيادات المؤهلة علميا بشكل جيد من أرقى وأفضل الجامعات العالمية والسعودية لمن لم يلتحق بالبعثات، لكن هل مازلنا واقعيا بحاجة لذلك النموذج الأكاديمي الجامد في بعضه الذي لم يمارس التسلسل المهني وظل حبيس قاعات الدرس بكل تنظيراتها العلمية، أو حبيس غرف العمليات والعيادات الداخلية والخارجية، أو حبيس المصانع وتقنياتها؟
كيف يمكن أن نتوقف عند تلك المعطيات ونخرج من عباءة العالم الأكاديمي؛ للبحث عن قيادات تشع بالشغف والطموح والرغبة في العمل للتغيير لا للتسيير، وبينهما فرق كبير!!
وهل بالفعل حققت تلك النماذج طموح المملكة وقيادتها الشابة في المرحلة التاريخية الهامة التي نعيشها؟
أعتقد ولا أجزم بأن هناك سلبيات عدة ظهرت في ذلك الربط بين القيادات الحكومية والخاصة وبين الأكاديمي الجامد، فليس كل أكاديمي قائداً وليس كل قائد لابد أن يكون أكاديميا، وقد انعكس ذلك على الجوانب الثقافية في المملكة العربية السعودية التي انحصرت في قيادات جامعية أكاديمية عمرّت زمنيا ولم تعُمّر ثقافيا إلا بنجاحها في تشكيل سلسلة لا متناهية من العلاقات الشخصية والمصالح المتبادلة، وكم قتل ذلك الكثير والكثير من تاريخنا الثقافي والحضاري والإنساني، وخلّف أجيالا تؤمن بالمصالح الخاصة، وتعلي من شأنها على حساب مصلحة الدولة سواء ماديا أو حضوريا!
وبالتالي نحن في مرحلة تاريخية مهمة تحتاج لإعادة النظر في التأثير الأكاديمي على الحراك الثقافي والعلمي والحضاري للمملكة العربية السعودية، بحيث لا يصح إلا الصحيح، ولا يكون إلا ما يستحق أن يكون. كما نحتاج لقطع ذلك الحبل السري بين قطاعات الدولة والعوالم الأكاديمية إلا بما يحقق حراكا إستراتيجيا يتناسب ورؤية سيدي ولي العهد 2030 في كل قطاعات الدولة، وأن يكون هناك مرصد يقترب من الجامعات السعودية ويرصد من خلال استبانات خاصة توجه أعضاء هيئة التدريس حضاريا، فمنهم من لا يريد إلا أن يكون معلما ملقنا داخل قاعة الدرس، ومنهم من يرى المملكة بعيون شامخة تستحق أن يشارك بما يملك من علم وخبرة تؤهله للانخراط في الحراك الثقافي والعلمي والحضاري للمملكة العربية السعودية.
** **
أستاذ الفلسفة والنقد - جامعة الملك سعود