د.فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح
مرحباً بكم معاشر القرَّاء الأكارم أهلاً وسهلاً..
أخ عزيز وصديق وفيٌّ، لقد عرفتُ من محاسنه عدداً وما أحصيتها، ولقد نعمتُ بفضائله وما أحطت بها، رجلٌ هدَّك به من رجلٍ، وشهمٌ حسبك به من شهم، يأخذ من المروءة كأساً رويّاً، وبالمعالي مجداً سخيّاً، ديِّنٌ صادق، طاهر الجنان، سمح المحيَّا، يتلقَّاك بالبِّشر، حسن المعشر، سمح السّجايا، كثير الفضل، معدّد الفضائل، كريم الخلال، باذل للمعروف، ومنادٍ به، عربيُّ الأرومة، قحطانيُّ الجذم، معرق أصيل، حسيب نسيب.
ولقد جاءني اسمه قبل أن أرى رسمه، فقد اتصل بي مهنِّئاً د. سيف الإسلام الشَّعلان أحد أساتذة القسم الآن، وكان الشعلان يومذاك زميلاً لي في مرحلة دراسة المنهجية لنيل درجة العالِميَّة (ماجستير)، وهنَّأني بقبولي معيداً في القسم ولمَّا استأكدت منه الخبر، قال لي: اسم المقبول هو فهيدٌ القحطانيُّ؛ ألست فهيداً القحطاني؟ قلتُ له: مع الأسف، لا، لستُ إيَّاه, وكان ذلك في العام (1429هـ)، فمذ ذلك الوقت دخل عالمي هذا الاسم، فحرصت على معرفة هذا السَّميِّ، ولقد قابلتُه، وصحبته، وصادقته، وزاملته، وقد لقيتُ به زميلاً بارّاً، وأخاً سارّاً، نعم الزّميل هو، ونعم الأخ هوه.
هو منجزٌ مستنجِزٌ، يصمد إلى المسائل العلميّة ذوات النّظر ولا يتهيّبها مستسهلاً، بل يرومها معضّداً بعلمٍ راسخ وتأصيل شامخ. ومن سماته أنّه دائم السّؤال عن الإنجاز العلميّ، فدائماً ما يطارحني السّؤال عن جهودي في الطّرح العلميّ، وعن بحوثي الأكاديميّة؛ ممّا يحفّزك على عدم التّراخي والتّباطُؤ، فهو يشدّ الأَزْر، ويحثّ، ويدعم، ويدفعك للخطو، كثير الاقتراحات مفتوق ذهنه على مسائل لطيفة في النّظر، دقيقة في الفحص غائصة في النّصّ وله طريقة بديعة في تشقيق المسائل العلمية التي يطرحها، والقضيَّة التي تستوقفه ينظر فيها من جهة الإغفال، لا من جهة الإقبال؛ لأن جهة الإقبال كما يذكر يكثر عليها الورّاد لكن جهة الإغفال مصدوف عنها، وهي التي يدعها الباحثون إغفالاً، وفيها مكامن نظر، ومنازع أسئلة، ومطارح قولٍ، وهي مواطن مفاتشة سابرة.
والدكتور فهيدٌ القحطانيُّ في علمه لغويٌّ دقيق، وشاعر رقيق، ونحويٌّ عريق، نحويٌّ التّأسيس والإهاب مكلّل بتاج اللغة، ومَنْ نَظَرَ مثلاً في بحثه المنشور الذي جاء عنوانه (الفصل في نسبة «شرح الفصيح» المنشور منسوباً إلى الزّمخشريّ)، وقد نشرته «مجلة الدراسات اللغويّة» (المجلد: 25، العدد: 1)، الصادرة من مركز الملك فيصلٍ علم ذلك، إذ فصّل القول في الكلام على نسبة الكتاب الذي تعاقب في معالجته أكثر من أستاذٍ ودكتورٍ، ووقعت بسبب نسبته مساجلات أكاديميّة، وردود في مجلات علميّة، وهؤلاء هم: د. عبد الله الجبوري، ود. علي كاظم المشري قَبْلاً وقد طرقا حديث نسبته عَرَضاً، وبَعداً قصد الموضوع قصداً د. إبراهيم بن عبد الله الغامديّ، وأَصل المسألة أنّ ثَمّ مخطوطاً اسمه «شرح الفصيح» مجهول النّسبة حقّقه د. إبراهيم الغامدي، ونَسَبَهُ إلى الزّمخشري، فوقع النّزاع في نسبته إيّاه هذه، فتعقّبه د. بهاء الدّين عبد الوهّاب نافياً، وردّ عليه د. الغامديّ مثبتاً، وردّ د. بها الدين على الرّدّ وتعقّب د. الغامدي أيضاً د. محمد أحمد الدّالي نافياً، وردّ عليه د. الغامديّ مثبتاً، وردّ د. الدّالي على الرّدّ، وعقّب نافياً النّسبة د. محمد بن عبد الله العزّام، كلّ هؤلاء طرقوا مسألة نسبة شرح الفصيح للزّمخشري ما بين مثبتٍ ونافٍ ببحوثٍ ثمانية، وكلّهم ليس قاطعاً في ذلك قطعاً، بل هو ظنٌّ غالبٌ عندهم جميعاً، وقد وقع بين بعضهم ردود علمية دقيقة في أدلة قوّة النّفي وظنِّّيَّة الإثبات.
وجاء د. فهيدٌ القحطاني إلى المسألة باحثاً جديداً فيها بِعُدةٍ علمية، ظهرت في بحثه هذا، وذكر القول الفصل في مسألة النسبة فقد نفاها عن الزمخشري، وقَطَعَ بنسبة الشّرح للإستراباذي، وبحثه في العدِّ صائرٌ البحث الحادي عشر في المسألة، يقول د. فهيد مفتتح بحثه: «وقد أتيتُ على جلِّ الآراء التي سبقني إليها الباحثون، موجزاً أهمَّ ما أراه قريباً من مدار البحث، مبدياً رأيي حيناً، ومستدركاً حيناً آخر، وختمتُ المباحث بمبحث تحقيق نسبة «شرح الفصيح» اليقينيَّة».
وكنتُ وما زلت أفاتحه بين الحين والآخر في مسائل تعرض في الذهن، وفي مسائل أبتحثها، فإذا فاتحته في مسألة ما نحويّة كانت أو صرفيّة فتح لك فتوحه ممّا ييسّره الله له وأناره به؛ ممّا يلهج به عليه بحسن الذّكر وقوّة النّظر، ويعطيك من منقدحات ذهنه من مفاتحها ما يُكافأ بجميل الشّكر، وإذا قرأ لك مبحثاً في طرقِ مسألةٍ ما وقفك فيها على منازل النظر، ومطارح النقاش، وإذا عرضت عليه شيئاً ذكر لك منه ما فيه زيادة، وما كان ناقصاً محتاجاً إلى إشباع، وأمّا من جهة مسائل اللغة وعلوم اللغة وفقه العربيّة فله قصب السَّبق والقدح المعلّى، فهو فيها من أهل الصّفّ لأوّل، ولا عنه متحوّل، وقصارى القول أنّه يغنيك عن غيره، وأظنّ غيره لا يغني عنه فيما وقفتُ عليه، وسبرته وخبرته من أمره.
ومن علومه علم التّحقيق، فهو به حقيق، كيف لا؟ ورسالته للعالميّة العالية (دكتوراه) في تحقيق معجم لغويٍّ، والتّحقيق عناء وإذا كان معجماً كان أشدّ عناءً، وقد حقّق معجم «ضياء الحلوم المختصر من شمس العلوم للحميريّ» بجهدٍ بيّن، وعمل رصين ليس بالهيّن، استهلك منه وقتاً ثميناً، وسهراً طويلاً، وعناه عناءً ثقيلاً، وكاد منه الوقت يمصح، وأهدف عملاً سديداً، وأظهر معجماً حميداً، وهو له عناية بالمخطوطات وفهارسها، وتتبّع أخبارها، وتقليب رحلاتها، وجمع معاجم فهارسها.
ومما أفيده منه الحثّ والتّحفيز لإنشاط العمل، واستكمال الجهد، فإذا كان ما حدثته به بذرةً تجده يلحّ عليك أن تبتذرها وتستنبت شُجيرتها، ويتعاهدك بها إلى أن تغدو شجرة، ثُمّ أنت لا تتركها إذا كانت شجرة حتى تستثمرها، وكان منه ذلك ظاهراً في بحثٍ لي، جاء عنوانه (ما أغفله عنك شكّاً)، فقد كان لي رأي في هذه القالة، وبإنشاطه لي غداً هذا الرّأي بحثاً منشوراً في مجلة الجامعة الإسلامية للّغة العربيّة وآدابها (العدد:5، ج: 1)، ولمّا أن علم عنايتي بابن هشامٍ إذا هو يبتدرني بمواضيع تهمّ شأن ابن هشامٍ نحويّاً، صرفيّاً، اختياراً، اعتراضاً، تأليفاً، متناً، حواشي، وهلم جرَاً؛ لذا أنا أغتبط بلقائي به وزيارتي له.
متّع الله اللغويّ المدقّق البارع الشاعر المفيد ذا المفاتح النّافعة، والآراء الرّشيدة البارعة أبا عبد الله د. فهيد بن عبد الله القحطانيّ بالصّحة والعافية، وأمتعنا الله وذويه وطلابه بمهجته وعلمه، ويسّر له كلّ عسير، وبارك له في عمله وما ينجزه، وفي عمره وما يبذله، وجزاه الله خيراً كفاء ما يقدّم في سبيل العلم وروّاده، والعربيّة وطلابها.
والحمد لله ربّ العالمين.
ودمتم في رعاية الله وحفظه وكلاءته معاشر القرّاء.