خالد محمد الدوس
ولد عالم الاجتماع الألماني والفيلسوف (جورج زيمل) في العاصمة الألمانية برلين عام 1858 وكان ينتمي لأسرة ميسورة الحال وكان والده يعمل في أشهر مصانع الشوكولاتة في براين وقد توفي والده وهو في عامه الخامس..!
وحين بلغ الثامنة عشرة من عمره التحق بقسم التاريخ بجامعة برلين لكنه تحول إلى دراسة الفلسفة وفي عام 1881 نال شهادة الدكتوراه وكان عنوان الأطروحة الفلسفة الطبيعية عند مؤسس علم الاجتماع الحديث العالم الفرنسي أوجست كونت (1789-1857)، وهذا يدل على أنه كان متعمقاً بدراسة (فلسفة كونت) قبل أن يتحول إلى ميدان علم الاجتماع، وقد اكتسبت شهرته بين علماء الاجتماع الألمان لدقته وعمق دراسته في تحليل الظواهر والتفاعلات الاجتماعية بعد تعيينه محاضراً بجامعة برلين، حيث كتب العديد من الموضوعات باختصاصات عدة في التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس ونال شهرة علمية كبيرة لم تقتصر على الداخل الألماني، بل تعدت الحدود إلى خارج ألمانيا.. كفرنسا وإيطاليا وإنجلترا وتحديداً بعد ترجمة بعض مؤلفاته وأبحاثه إلى اللغات الإنجليزية والإيطالية والفرنسية ليصبح من أبرز أقطاب فلسفة الحياة. طرح (زيمل) منهجاً لتحليل التفاعلات الإنسانية في مؤلفه «علم الاجتماع الشكلي» الذي اقترح فيه أن الإنسان يستطيع عزل شكل التفاعلات الإنسانية عن مضامينها فهو يبحث عن مفتاح منهج الظواهر الاجتماعية في نفسية الأفراد ومن منهجه هذا يظهر جلياً ارتباطه بالدراسة السيكولوجية في علم الاجتماع. وفي عام 1890 نشر كتابه «علم الاجتماع»، ثم كتابه «فلسفة النقود» عام 1900 الذي يعد من أهم الكتب السوسيولوجية المتميزة في تاريخ علم الاجتماع الحديث، فذاع صيته وعلاء شأنه بعد إسهاماته العلمية الثرية. وقد اهتم العالم الراحل بمواضيع اجتماعية مثيرة ولافتة للانتباه مثل: الموضة والنقود والمرأة والطائفة والمظاهر والفن والمدينة والفقراء والفرد والمجتمع والتفاعل الاجتماعي والرابط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية ولذلك كانت معظم مؤلفاته وأبحاثه تدور في فلك هذه القضايا ومن مؤلفاته أيضاً كتاب «علم الاجتماع وأشكال التفاعل» وكتاب «الفقراء» وكتاب «علم الاجتماع الجمالي» وكتاب «المظاهر» وكتاب «فلسفة الموضة» وكتاب سيكولوجيا النساء، وكتاب «الاختلاف الاجتماعي»، وكتاب «السوسيولوجيا والإبستمولوجيا»، وقد اقترح في هذا الكتاب دراسة أشكال التنشئة الاجتماعية. إذ يرى أنه على السوسيولوجيا دراسة جميع الحالات التي يمارس فيها الأفراد تأثيراً على بعضهم البعض، مشدداً على أن جميع اشكال التبادل بين الأفراد مهما كانت كبيرة أو صغيرة تستحق الدراسة. كما ألف (زيمل) كتاب «السر والمجتمعات السية»، وغيرها من المؤلفات المتميزة التي أثث بها هذا العالم الشهير.. مكتبة علم الاجتماع وتراثها الأصيل في أوروبا والتي تكشف وبجلاء أفقه الواسع وفكره السوسيولوجي الرصين، فضلا عن العمق المعرفي والثقافي الذي تميز به. ومن إسهاماته العلمية أيضاً كان من المؤسسين الأوائل للجمعية الألمانية لعلم الاجتماع إلى جانب العالم الشهير ماكس فيبر والعالم الفذ فرديناند تونيز سنة 1909، كما قسم علم الاجتماع إلى: 1- علم الاجتماع العام يدرس الحياة الإنسانية وظواهرها الاجتماعية والتاريخ من وجهة النظر الاجتماعية. 2- علم الاجتماع الفلسفي: ويهتم بدراسة المشكلات الإبستمولوجية التي تتصل بأسس وجوانب علم الاجتماع. 3- علم الاجتماع الصوري أو «الشكلي»: وهو العلم الذي يدرس صور العلاقات الاجتماعية وصور التفاعل الاجتماعي بين الافراد.
ويعتبر العالم الراحل زيمل رائدا من رواد علم الاجتماع الأوروبي والمؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع الشكلي أو الصوري وهو العالم الذي يهتم بدراسة العلاقات الاجتماعية. ويعد الاتجاه الصوري في علم الاجتماع من أهم الاتجاهات في مناهج وطرق بحث الظواهر الاجتماعية حين يقتصر عالم الاجتماع على دراسة صور العلاقات والظواهر دون الاهتمام بمادتها ومضامينها وهذا هو المنهج الذي يتبعه علم الاجتماع الصوري المنهج الذي صاغه ووضعه العالم الفذ جورج زيمل مؤسس هذا الفرع الحيوي الذي يدرس صور العلاقات وأشكال الظواهر الاجتماعية. وقد عرف علم الاجتماع على ضوء اشكال العلاقات الاجتماعية داخل التنظيم: أنه العلم الذي يدرس شكل ومضمون العلاقات الاجتماعية، كونها تكون على أشكال مختلفة كالعلاقات التعاونية والعلاقات التنافسية والصراعية والعلاقات المركزية وغير المركزية اما مضمون العلاقات فهو المصالح والأغراض.
توفي العالم الألماني والفيلسوف السوسيولوجي (جورج زيمل) سنة 1918 في مدينة سراسبورغ وقد ترك خلفه سيرة عالم كبير قدم اسهامات علمية ومؤلفات ثرية وبحوث اجتماعية رصينة ما زالت تدرس في الجامعات الأوروبية. وبعد وفاته قال عنه أشهر تلاميذه العالم فون فيزة: لم يكن زيمل جنديا منتظما في الطابور ولم يكن بالطبع قائدا..! لكنه كان محفزاً للفكر موهوباً، مليئاً بالأفكار والخواطر!