حاورتها - مسعدة اليامي:
كتاب فرض نفسه كمنتج لغوي أدبي, يصب في نماء وتنمية حب اللغة العربية على لسان أبنائها. فتهدف كاتبة الكتاب الأستاذة نجلاء الكثيري من خلال كتابها النَّحْوُ بَيْن التًذَوقِ و الْإيحاءِ طريقة عملية إبداعية في إتقان قواعد النحو العربي. إلى العديد من الأهداف التي أهمها تعزيز الانتماء للغة العربية وإتقان قواعد النحو العربي قراءة وكتابة, ورفع الوعي اللغوي, وكذلك الذوق اللغوي, وذلك من خلال الطريقة العلمية القائمة على تطبيق النحو على النصوص, وتلك هي الطريقة المبتكرة في الكتاب لذلك كانت معظم محاور الحوار, تصب على الكتاب الذي يحتاج الكثير من اللقاءات, والمقالات, ويعود ذلك للقيمة العلمية, والمعرفية التي يستفيد منها الفرد والجماعة في أعمالهم .. التي تحتاج إلى أن تكتب, وتنطق بالطريقة اللغوية السليمة.
* ما هي الرؤية العامة لكتابك النحو بين التذوقِ والإيحاءِ؟ وما القصد من التذوق والإيحاء؟
فكرة كتابي أنهُ يقدم علم النحو بطريقة جديدة، طريقة عملية تختلف عن الطريقة التقليدية السائدة، فالكتاب يقدم للقارئ القاعدة النحوية بشرح مختصر، موضحًا أهم ما ينبغي معرفته نظريًّا حولها، رابطًا إياها بالمعنى الفكري والشعوري، ثم يختتم دراسته للقاعدة بتطبيقات لها على نصوص كاملة، مضبوطةً ضبطًا إعرابيًا، بحيث يتسلسل عقل القارئ تصاعديًّا، من معنى القاعدة النظري، ثم المعنوي، ثم التطبيق العملي الذي هو ثمرة علم النحو، الثمرة المفقودة نتيجة الطريقة التقليدية.
فالطريقة التقليدية في دراسة النحو-منذ ألف قرن تقريبًا- طريقة نظرية تعتمد على التقسيمات والتفريعات والانشغال بما يجب وما يجوز، والاكتفاء بالإعراب النظري على جمل مفردة لا تحمل فكرًا ولا شعورًا..حتى صارت كلمة (الإعراب) شبحًا منفرًا من دراسة النحو، بل واللغة كلها فجاء كتابي يؤدي رسالة مهمة تجاه هذا العلم العظيم، ويحيي ما مات منه بإذن الله.
أما معنى التذوق والإيحاء فقد أسهبت في توضيحهما في مقدمات الكتاب الأربعة، وأطرح هنا نبذة للقارئ، فأعني بالتذوق تذوقَ القاعدة النحوية، وتلمّس ما فيها من معانٍ فكرية وشعورية تتجاوز ظاهرها المعروف في دراسة النحو، فأنقل القارئ من جفاف القاعدة إلى رياضها النضرة، والتذوق نقطة التقاء وخط تقاطع بين علمي البلاغة والنحو، قصدت لفت النظر إلى أن اللغة يجب أن تُدرَس متصلة بالنفس والفكر، وقواعد النحو ما هي إلا نتيجة خلجات فكرية ونفسية، فنحن عندما نتكلم قد نحذف المبتدأ أو الخبر أو الفاعل... أو نقدم ونؤخر... أو نضمر ونظهر... إلخ، نفعل هذا تلقائيًّا وفي أجزاء من الثانية بسبب معانٍ ومشاعر داخل أنفسنا، نرسلها عن طريق هذه الأساليب والقواعد النحوية، فأنا أريد أن أرطب الجفاف الذي أصاب قواعد النحو في دراستها بطريقة تقليدية نظرية بحتة.
وأما الإيحاء فأعني به الطريقة السهلة للعقل ليتقن قواعد النحو نظريًّا وعمليًّا معًا دون جهد وعناء، فمن خلال النصوص التدريبية وضعت إشارات على موطن تطبيق القاعدة، فبدل أن أعرب الجملة إعرابًا نظريًّا تقليديًّا، أعربتها عمليًّا، ومع قراءة النص تحدث عملية الإيحاء تلقائيًّا بسهولة ومتعة، وبطريقتي هذه لن يحتاج دارس النحو للتنقل بين متون النحو، ولا أن يقضي سنوات طويلة بينها، ثم يخرج وهو لا يحسن القراءة ولا الكتابة فضلًا عن المستويات العالية للغة، فكل ما عليه أن يتدرب على طريقتي وسيجد الفرق واضحًا بإذن الله تعالى.
* كم من الوقت عملتِ على الكتاب حتى شهد النور؟ وما هو الجهد الذي بذل في سبيل ذلك؟
أخذ تأليف هذا الكتاب ما يقارب ثمانية أشهر متواصلة، بدأته في أغسطس 2021، وانتهيت منه في مارس 2022، وخرج إلى النور بفضل الله يوم عاشوراء 1444 الموافق 8 أغسطس 2022. والكتاب بُذل فيه جهد كبير جدًّا عقليًّا وشعوريًّا وجسديًّا، فقد كنت أغرق بين الكتب القديمة والحديثة من الأدب العربي والمترجم بحثًا عن نصوص أجد فيها تطبيقات مكثّفة للقواعد النحوية، وتعمدت أن أذهب إلى كتب قد لا يُلتفت إليها مثل الكتب المترجمة، واقتبست منها أيضًا، وقضيت ساعات طويلة جدًّا في متابعة أفلام الكرتون القديمة لأجد فيها النص المناسب للقاعدة، ثم أرجع إلى مصدرها المكتوب من الروايات فأضمّنها كتابي. مضت هذه الأشهر الثمانية بين سهر وبحث وتفكير وإعادة صياغة عشرات المرات لكثير من فقرات الكتاب، حتى أحلامي تلك الفترة لم تخلُ من النحو, فكانت رحلة ممتعة ولله الحمد، أرجو أن يكللها رب العا لمين بما فيه نفع عظيم للغة العربية وأهلها.
* الكتاب أشبه بالتجربة الميدانية. لماذا لم توثقي عدد الطالبات اللواتي طبق عليهن العمل, ونسب التقدم في ذلك؟
الكتاب في الأصل هو ثمرة مرحلتي الدراسية والتدريسية، في المرحلة الدراسة كنت كثيرة الأسئلة بيني وبين نفسي أو لأساتذتي، لماذا.. وكيف.. وما معنى.. وهل يمكن.. فكانت أصداء أسئلتي ترجع لي خائبة، وعندما مارست تدريس النحو أول مرة درّسته بالطريقة التقليدية لكني حينها شعرت أني أختنق، وأن الطالبات في حالة ضجر ونفور، ثم ما لبثت مشاعري أن قادت تفكيري للبحث عن التغيير، فلمع بارق في ذهني أنه بعد شرح القاعدة أنتقل إلى تطبيقها من خلال القراءة في نصوص أدبية، هذا البارق هو جواب عن أحد أهم أسئلتي وهو (كيف أتقن النحو؟) فاخترت أحد كتب الأدب وهو كتاب (جواهر الأدب لأحمد الهاشمي) أقرأ فيه عن نصوص فيها جمل تحوي تطبيقًا للقاعدة النحوية بمختلف وجوهها، وكانت هذه البداية الفعلية لتطبيق النحو، ومرة بعد مرة، وحصة بعد حصة، اتسعت فكرة تطبيق النحو، حتى انتقلت من الإعراب النظري إلى ما أسميته بالإعراب العملي، وألغيت الإعراب النظري من طريقة تدريسي بنسبة كبيرة جدًّا، وحتى في الاختبارات النهائية كنت أختبر الطالبات بالقراءة والكتابة الصحيحتين فقط، وامتنعت عن الأسئلة التقليدية مثل أعربي ما تحته خط وما شابه، هذه كانت تجربتي الميدانية قبل أربع إلى خمس سنوات من الآن.. وبشهادة الطالبات تغيرت نظرتهن تجاه النحو عقليًّا وشعوريًّا، لكن لم تكتمل فكرتي إلا من خلال هذا الكتاب، وليس لديّ فيه تجربة ميدانية بعد؛ كونه حديث الطباعة ولم يمضِ عليه إلا ما يقرب من سبعة أشهر، ومثل هذا يحتاج إلى وقت حتى نشهد النتائج، وأرجو من المهتمين أن يلتفتوا لهذا.
* يزخر الكتاب بالكثير من النصوص الأدبية المختلفة التي تهدف إلى عملية التطبيق. ما الأسباب في ذلك الكم الذي قارب على الـ (200) نص من حوالي 40 و 41 كتابًا؟
الحقيقة أن عدد نصوص الكتاب بلغ أكثر من 200 نص، وأنا أرمي من هذا الإثراء في النصوص إلى عدة أهداف، منها أن هذا الكتاب للجميع بلا استثناء، فتنوع مستويات المتلقين والقراء يحتّم أن أضع نصوصًا متنوعة ومتباينة فكرًا وشعورًا، فوضعت من النصوص في كل باب ما أتوقع أنه ينسجم مع هذا التنوع، وأيضًا من أهدافي أن أوصل رسالتي الأساسية وهي أن النحو تطبيق عملي، يمكن أن نجده في أي نص، سواء كان علميًّا أو أدبيًّا، وسواءً كان للكبار أو الصغار، وحتى يرى القارئ التطبيق العملي للقاعدة النحوية، سواء تطبيقها النظري بعلامات الإعراب، أو تطبيقها الفكري والشعوري اللذان يتعلقان بتذوق القاعدة، بالإضافة إلى رغبتي في أن أُكسِب القارئ ثروة لغوية هائلة من مختلف القرون. وسيدرك الكثير من الأسرار وراء هذا التنوع.
* كيف يستفيد المتدرب الذي يعتمد على التنمية الثقافية ذاتيًّا من الكتاب, وهل هناك جدولة عملية تساعدهُ على الشعور بأنهُ قد أنجز وتقدم في العملية التطبيقية؟
الكتاب سهل جدًّا في التطبيق، حتى أنه يمكن لمن عجز أن يجد معلمًا بارعًا في النحو أن يستغني بهذا الكتاب، ويقطع به في النحو شوطًا كبيرًا لوحده، والكتاب مجدول بذاته، ومقسم بطريقة واضحة للقارئ، فالكتاب يشرح القاعدة النظرية باختصار وذكر أهم ما يحتاجه المتلقي في التطبيق، ثم أذكر الدلالة المعنوية وهي التذوق لهذه القاعدة، ويأتي بعدها تطبيق القاعدة على عدة نصوص وهو ما أسميته بالإيحاء، ففي القسم الأول من النصوص والتدريبات سيجد الحل أمامه، وبقراءة النص عدة مرات سيفهم عقله القاعدة؛ لأنه عربي الأصل، فقواعد اللغة مخزونة في اللاوعي لديه، والقسم الثاني سيقرأ النصوص وسيعرف تلقائيًّا موطن القاعدة مع ضبط الكلمات إعرابيًّا بنسبة كبيرة، وكلما كرر استفاد وفهم أكثر.
* ذكرت في الكتاب أن أصحاب المحتوى الإعلامي من الذين يوجه لهم الكتاب, كيف ذلك؟
نعم، ذكرتُ في بداية كتابي أن هذا الكتاب موجه لمن يريد أن يتقن النحو وللمعلمين ولكتّاب المحتوى، وكتابة المحتوى مهارة ظهرت مؤخرًا بالتزامن مع التسويق الرقمي، ثم صارت مهنة احترافية، ولأنها كتابة، فكاتب المحتوى من أكثر الناس الذين ينبغي عليه ضبط اللغة، فهي وسيلة تواصله مع الناس لإقناعهم بمحتواه، والخطأ فيها قد يكون فادحًا، ليس هذا فحسب بل إن أكثر كتّاب المحتوى ليسوا متخصصين في اللغة، ولديهم ضعف لغوي واضح، فمن حقهم على أهل اللغة أن يرشدوهم، ومن حق اللغة عليهم أن يتقنوها.
* هل تتوقعين أن الأندية الأدبية والأنشطة المدرسية سوف تهتم بالكتاب, وتفعل ما بداخله. داخل أروقتها من خلال الإذاعة المدرسية, والمنابر الثقافية؟
ينبغي أن تفعل ذلك.. إن كانوا حقًّا يريدون الارتقاء بالفكر..
هناك برامج الأندية الخطابية التي انتشرت كذلك في المدارس, والجامعات وغيرها, ماذا تقولين لهم بخصوص الكتاب؟
عليكم به.. فهو أول كتاب تطبيقي في تاريخ النحو حسب ما أعرف..
* (نساء صغيرات, صاحب الظل الطويل, جزيرة الكنز) وغيرها من الأعمال التي قدمت على هيئة رسومات متحركة. حدثينا عن الأهداف من وراء ذلك الطرح, وفي رأيك ما هي الجماليات اللغوية في الأعمال ( المقروءة والمسموعة والمرئية)؟
هذه الرسومات المتحركة القديمة (الأنمي) طُرحت بلغة عربية فصيحة، مرتبطة بجوانب الحياة كلها، وتلامس واقع المشاهد صغيرًا وكبيرًا، ولغتها فصيحة عذبة جدًّا، ولغتها هذه هي جذبتنا إليها، وهي التي خلدتها في وجداننا. هذه الأعمال هي تطبيق عملي حقيقي لقواعد النحو كلها، فمن مشهد واحد يمكن أن تجد فيه كيف نلفظ نائب الفاعل، ونتذوق اسم لا النافية للجنس، ونفهم الأدوات التي تجزم فعلين وكيف نلفظهما صحيحًا، ومنها تعلمنا كيف عمل الأدوات الناسخة في الجمل بكل الصور المحتملة، وكيف نفهم التوابع بأنواعها، إلى غير ذلك من التطبيقات. وهدفي أن ألفتَ القارئ إلى أن تطبيق قواعد النحو ليس بعيدًا عن حياتنا الواقعية، فنحن نشأنا على هذه الأعمال، وتعوّدت أسماعنا على مصافحة اللغة العربية الحية، فليس ثمة صعوبة في تطبيقه، وإنما الصعوبة في دراسة قواعد النحو النظرية والانشغال بحفظها وضبط تقسيماتها وتفريعاتها دون تطبيق بالقراءة ولا الكتابة، فهنا حتمًا ستكون القواعد جافة لا يمكن قبولها، وتُشعر الدارس بالنفور من العربية للأسف. فهذه الأعمال (الأنمي) قرّبت اللغة الفصيحة للناس من خلال الدبلجات عالية المستوى، وحتى الحديث منها، فكثير من هذه الأعمال ما زال يُقدم بلغة عربية عذبة قوية، وسماع اللغة الفصيحة أو قراءتها مزدوجةً مع الفكر العميق له تأثيره القوي على العقل، فهي تغذيه وتجعله مهيّأً لأن يبدع ويلهم، وعلى المتلقي أن ينتبه لذلك بحصافة بالغة.
* (في هذا الكتاب بإمكانك أن تكتفي بقراءة النصوص قراءة صحيحة مكررة حتى يتبرمج عقلك على الإعراب العملي) هل وصلتك أصداء لهذه العبارة توحي بالإيجاب, ولمن كتبت تلك النصيحة, وهل وافق على صحتها مختص اللغة العربية, وأيها أجدى قراءة النصوص أو الكتب بذاتها؟
لم تصلني أصداء عن هذه العبارة تحديدًا، لكن بحكم أن لدي قناة في التليقرام (النجلاء للإنتاج اللغوي) فقد قدمتُ الكثير من التدريبات المشابهة وكان لها صدى طيبٌ لدى الأعضاء الكرام، وبعضهم أساتذة في التعليم العام من مختلف العالم العربي، وأغلبهم طلاب جامعة ومحبون لهذه اللغة العظيمة، وانتفاعهم الذي لمسته يكفيني عن أي رأي آخر، خاصة أن هذه تجربة جديدة في عالم اللغة والنحو على وجه الخصوص، فلا شك أننا نحتاج وقتًا حتى نرى أصداءً أكثر وضوحًا. وللقارئ الحرية في الاكتفاء بما اخترته من نصوص أو أن يرجع لمصادرها، فالنصوص اخترتها بعناية فائقة، ولأن القارئ سيكرر قراءة النص حتى يتبرمج عقله على القاعدة فقد اخترت النصوص التي تغذي عقله بالفكر الصحيح والشعور العالي، الذي سيرى أثره حتمًا يومًا ما.
* «احترافية» هل تلك عبارة للتحفيز كما يحدث في الدورات التدريبية المنتشرة في وقتنا الحالي, أم أن ذلك عن نتائج ملموسة, وكيف تتكون الاحترافية في اللغة العربية؟
نعم هي للتحفيز، وأنا لا أملك في كتابي هذا وبرامجي الصوتية إلا أن أحفّز غيري ما استطعت، أما الوصول للاحتراف فهو يأتي بعد الإرادة من المتلقي وخوضه التجربة، فإذا انعدمت الإرادة فليس للتحفيز فائدة، والاحتراف في اللغة لا سبيل له إلا تطبيقها بالمحادثة والاستماع والقراءة والكتابة، والتضلع منها، وتقليبها في الفكر. والاحترافية في اللغة تكون بتغيير الطريقة التقليدية، بحيث نبني عليها ونطورها، فالتغيير يزحف بقوة في كل مجالات الحياة، ومن الخسارة أن نبقى في تعليم النحو خلف ألف قرن ونحن نرى الضعف الهائل في مستوى اللغة الأولي -القراءة والكتابة- فضلًا عن المستويات الأخرى, وأكرر إن صعوبة النحو تكمن في دراسته نظريًّا، أما إذا درسناه عمليًّا فستتلاشى عقدة النحو من وجدان الشعوب العربية التي ما زال يشتكي طلابها من صعوبة النحو، ولا ألومهم في ذلك.
* ألا ترين أن القراءة من القواعد الأساسية.. التي تحفظ اللغة, وتنهض بالشعوب. ماذا تقولين عن ذلك؟
لا أحد يشك في ذلك، فأول كلمة نزلت من السماء إلى الأرض من كتاب الله هي {اقرأ} والقراءة الصحيحة تنشئ فكرًا صحيحًا، ولا تكون القراء صحيحة إلا بمعرفة قواعدها وما وراء قواعدها من أسرار، فالعقل يتفاعل مع اللغة قوة وضعفًا، واللغة العربية على وجه الخصوص تحمل أسرار الخلود والبقاء، والضعف فيها يفصلنا عن ذواتنا وعن علومنا وعن أعظم كتاب خالد..
قَرأْتِ مَا يُقارب أَربعين كِتابا مِنْ أَجل استخراج نصوص هذا الكتاب. صِفي لنا هذه التجربة على الطريقة المجدولة, وفي حال ذكرتُ لكِ أَنني لَمْ أَقَرأَ كِتاَبًا مِنْ تِلكَ الكُتب, كِيف أَبدأَ, وبأَي الكُتب أَبدأ؟
لم أجدول طريقتي، بل تركت لروحي القيادة في الكتاب كله من أوله إلى آخره، وكانت تجربتي مع الكتب للبحث عن النصوص مثيرة ومثرية للغاية، فخلال الأشهر الثمانية التي ألّفت فيها كتابي كنت أنام وأصحو ولا همّ لي إلا هذا الكتاب، وما سأقدمه لعقل القارئ من نصوص، فكنت أعيد قراءة الكتاب عدة مرات حتى أجد بغيتي فيه، فأحيانًا أجد النص الذي يحمل تطبيقًا للقاعدة النحوية بكثافة لكن مضمون النص لا يروق لي ولا أراه مناسبًا، فأعرض عنه، والعكس كذلك، فكانت عملية البحث عن النصوص مرهقة جدًّا جدًّا، لكن الحمد لله أني أرى ثمرة هذا التعب اليوم. ويمكن للقارئ أن يبدأ بما يناسبه، فهي كتب متنوعة من التراث والعصر الحديث، ومتنوعة من حيث العمر أيضًا، ومنها المترجم كذلك؛ حتى نرى اللغة في كل مستوياتها وألوانها.
* المكتبة المدرسة, ومادة التعبير تُعد من رَوافد التنمية اللغوية. ماذا تقولين لمن همش دُور المكتبة, وأسقط مادة التعبير من منهج اللغة العربية؟
المكتبة المدرسية ومادة التعبير من أهم الأسس التي تقوم عليهما العملية اللغوية، فاللغة هي نتاج ما يدخل إلى عقولنا من أفكار، ثم نخرجها نحن أيضًا في أفكار أخرى، فضعف المدخلات أو انعدامها لا شك أنه مضر جدًّا، وأتذكر أني كنت طالبة ضعيفة جدًّا في مادة التعبير، والسبب انعدام المكتبة المدرسية وضعف تقديم مادة التعبير من المعلمة، فلم يكن لدي مخزون لغوي لأعبر عن المقرر الدراسي فكنت أحصل على درجات متدنية في التعبير. وأقول: إن انعدام التعبير وضعف المكتبة المدرسية فيما تحويه من كتب سلبي جدًّا على حال اللغة لدى الطالب، اللغة تتطور وتتغير طوال الوقت وإذا لم نغذِّ عقل الطالب بما يدفعه للأمام فسيعيش في غربة مع لغته الأم، واللغة الأم ليست مجرد هوية للتفاخر بل هي وسيلة للحياة والتواصل البنّاء.
* مَن سبقك إلى هذا الطرح الجديد؟ وهل أنتِ أول امرأة تؤلف في علم النحو؟
طوال دراستي للنحو أثناء الجامعة وقبلها وبعدها لا أعرف كتابًا ولا شرحًا ولا معلمًا طبق النحو على نصوص، وإنما كانت الكتب والشروحات تهتم بالإعراب النظري وتستشهد ببيت شعري أو مثال تقليدي. أما الدعوة إلى تطبيق النحو فقد وجدتها عند بعض الأدباء المعاصرين مثل المنفلوطي وأحمد الزيات والطنطاوي -رحمهم الله- واستشهدت بها في كتابي، لكني تعجبت من أنها كانت مجرد دعوة وانتقاد للطريقة التقليدية دون مبادرة للتطبيق مع علو كعبهم في اللغة ومكانتهم المؤثرة، وأجزم لو بادر أحدهم بتأليف كتاب تطبيقي لسطع بين الناس كالشمس، لكن أراد الله تعالى أمرًا آخر. وأحمد الله أن وفقني لهذه الطريقة التي أرجو أن تكون بذرة تغيير في تاريخ دراسة النحو، وأود أن أبين للقارئ أني في كتابي لم أستند إلى كتاب محدد في النحو، ولم أشرح متنًا معينًا، وإنما بنيته على ما أسميته بالهيكل النحوي، حيث رتبت أبواب النحو ترتيبًا منطقيًّا مقبولًا لدى المتعلمين. أشرح القواعد باختصار مع أمثلة ثم أتطرق إلى سبل تذوقها اللغوي، وبعدها أنتقل بالقارئ إلى التطبيق العملي، فأضع النص وعليه علامات الإعراب فقط، وأشير بخط تحت الجمل التي تمثل القاعدة، هنا سيفهم العقل مباشرة أن هذه الكلمة مبتدأ وهذه خبر، وكذا... ثم وضعت نصوصًا خالية من علامات الإعراب، لأترك للقارئ مهمة قراءتها، ثم وضع العلامات الإعرابية، وأثق أنه سيجد الأمر في غاية السهولة والمتعة والإثارة، وهذا ما أسميته بالإعراب العملي، والكتاب خالٍ من الإعراب النظري المعروف.
أما كوني أول امرأة ألّفت في النحو بطريقة جديدة فالحقيقة أنا لم أستقرئ تاريخ التأليف في النحو، ولم يمرّ بي في كل ما درسته من كتب النحو اسمُ امرأة ألّفت في النحو، ولستُ ملمة بالتآليف المعاصرة في النحو لأني وصلت إلى ما أريده في هذا العلم، ونحن في عصر تؤثر فيه المرأة بوضوح وقوة، وصار لبصمتها صدى واسع، فهي تضيف على ما بناه شقيقها الرجل، ولعل القدَر أراد أن يلين هذا العلم، علم النحو العتيد، ويزهر على يدي أنثى، بعد ما مرّ به من جفاف وجفاء.. وسيرى القراء لكتابي الفرق والإضافة الجديدة النافعة بإذن الله.
* بعد خطوتَيْ القناة التعليمية والكتاب، ماذا تنتوي نجلاء؟ وما الذي تهيئ نفسها له مستقبلًا؟ هل ثمة خطة مكتوبة؟
أنا الآن على رأس إنتاج جديد أعمل عليه منذ بداية 2023 أسميته بالتحفيز اللغوي، وهو اقتباسات منتقاة بعناية من أشهر أعمال الدبلجة في أفلام الأنمي العالمية، هذه العبارات مترجمة للعربية، فاعتنيت بصحة صياغتها اللغوية مع وضع التشكيل على كل حرف، وهدفي من هذا العمل يكمن في عدة أمور أهمها: برمجة عقل المتلقي على اللغة العربية الفصيحة بالنظر، بحيث يراها كل وقت دون جهد، حينها سيعتاد العقل على فصاحة اللغة وتنتقل إلى لسانه بسهولة ويسر، وأيضًا من أهدافي إمداد هذا العقل بالكلام القوي فكريًّا وشعوريًّا، الذي يحفزه ويدفعه إلى النجاح والتميز والإبداع وتجاوز الصعاب، فيما يتعلق بالحياة كلها، فمضمون هذه العبارات يدور حول السعادة والأسرة والصداقة والحب والنجاح والثقة والإرادة والعلم والابتكار. وحقيقة أنا أريد أن أملأ حياة المتلقي بالكلام القوي الطيب المؤثر بحيث نزاحم الكلام السيء الذي ينتشر في وسائل التواصل حتى نستفيد من قوى العقل التي وهبها الله لنا، وأؤمن أن للكلمة قوة على التغيير والتأثير إما للخير أو للشر، وقد قال سبحانه (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) (وقولوا للناس حسنا).
وهذه العبارات يمكن أن نعلقها على الجدران أو الأبواب أو أي مكان بحيث تعتاد العين على رؤيتها، وقد كنت أفعل هذا في مرحلة المراهقة، كنت أكتب على باب غرفتي وخزائن ملابسي وأدراجي عبارات أذكّر نفسي بقيمة خُلُقية معينة أرغب أن أكتسبها، أو عادة سيئة أرغب بتركها، ومع تكرار قراءتي لها بقصد ودون قصد لاحظت أثر ذلك واضحًا عليّ، وصارت إرادتي تقوى أكثر مع التكرار. وبعد دخولي مجال اللغة وقراءاتي في خصائص العقل وجدت أن ما كنت أفعله ما هو إلا تحفيز لمناطق الإبداع في العقل، لذا وددت أن أنقل هذه التجربة المثيرة لغيري وربطها باللغة العربية الفصيحة لما لها من قوة على العقل في الإدراك والإبداع.