لفتت مملكتنا الغالية أنظار العالم في ظل ما تحظى به اليوم من ثروة أثرية، لتسفر عن اهتمام غير مسبوق في مجال الآثار وترفع الستار للعالم عن ممتلكات يعود عمرها لملايين السنين، وذلك بفضل قيادتها و رؤية سمو وليّ العهد الأمين.
تسعدني الكتابة عن علم الآثار الذي عشقته واخترته مجالا وتخصصا، لذا فمن المسؤوليتين الوطنية والعلمية تدفعاني للحديث عما تحتضنه المملكة من كنوز أثرية ثمينة.
لقد كان للطبيعة المناخية تأثير كبير على الإنسان القديم وهجرته، فكان مناخ شبه الجزيرة العربية ممطرا قبل ثلاثة ملايين سنة، وكانت أرضها غابات استوائية تتدفق منها ثلاثة أنهار،تمثل أكبر أنهار العالم اليوم مساحة وتدفقا، فكانت الأنهار الثلاثة تصب فيما يعرف اليوم بالخليج العربي.
بدأت رحلة الإنسان القديم -حسب الاكتشافات- بعد هجرته من أفريقيا إلى الجزيرة العربية، حيث قَطَن وادٍ فرعي صغير غرب نجران، والذي عثر فيه على المكاشط، وأدوات ثنائية الوجه البدائية، والشفرات، وحجارة المطرقة،والأدوات الحجرية التي من المحتمل أن يعود تاريخها إلى ما يقارب 1.8 - 1.2 مليون سنة.
ولا أنسى ذِكر موقع مهم آخر بالقرب من سكاكا يُدعى بالشويحطية، والذي عثر فيه على بعض المكاشط الحجرية، كما وُجد فيه أدوات مصنوعة من صخر الكوارتزيت مبعثرة على سطح الأرض، يعود تاريخها إلى حوالي مليون سنة، وهي من أقدم الأدوات التي عُثِر عليها خارج أفريقيا في والتي تعتبر أوضح دليل على هجرة الإنسان.
منذ حوالي مليون سنة، تغير المناخ من أخضر استوائي إلى بارد جاف، لتتضح نقطة التحول في ما وُجِد بموقع قرب الدوادمي ونجران يعودعمره لربع مليون سنة! عثر فيه على دلائل جديدة لاستعمال المكاشط آنذاك، وعلى أن الجلد كان مطلوبا.وهنا تكمن نقطة تحول، حيث استعمل الإنسان تلك المكاشط لدباغة الجلود لتدفئة نفسه من البرد.
هكذا بدأ الإنسان القديم هجرته لأرض مملكتنا الغالية والتي كانت أهم عناصرها الماء والأكل والمأوى. وماذُكر هو أقدم الاكتشافات الأثرية بمملكتنا الغالية إلى اليوم، ولا زالت عمليات البحث والتنقيب المكثفة جارية، ستثرينا نتائجها بالكثير من المعلومات عن الإنسان القديم،وستكشف لنا بشكل أوضح عن هجرته من أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية، وستُكلل هذه المجهودات بنجاح باهر، تحت ظل رؤية2030 بدعم وتمكين من سمو ولي العهد حفظه الله.
** **
- حصة بنت مروان السديري