«الجزيرة» - كتب:
صدر كتاب: «رحلة عمر سيرة ولمحات من التاريخ الاجتماعي»، للأستاذ: محمد الشريف، في 488 صفحة من القطع المتوسط، ويحوي الكتاب استفتاحًا وعشرة أجزاء تحدث فيها المؤلف عن مراحل متعددة من حياته، إلى جانب مسك الختام، وملحق صور.
ويكشف المؤلف سبب كتابته لهذا الكتاب الذي يندرج في نطاق السيرة الذاتية بقوله: «عندما أريد أن أقدم لمدونتي هذه، فإن أول ما يخطر ببالي هو أنها عبارة عن مجريات أحداث حياة، وعصارة جهود وتفاعلات، وخلاصة تجارب وإرهاصات، خاضها صاحبها من كان طفلاً صغيراً سناً، ضئيلاً جسماً، غير أنه كان مدركاً لكنه وجوده، وبدايات حياته التي عانى فيها شتى صنوف الفقر والفاقة، ومرارة الحرمان، وقاسى فيها آلام مختلف الأمراض والعلل، وصار خلالها أشبه بشبح يدرج على الأرض حافياً، بيد أنه كان ( حيّ (قلب) وفق ما كان يسمعهم يقولون عنه، ويعني ذلك في تعريف أوضح أنه فطن، يستشعر ما هو فيه وما يدور حوله، وكان أول من أدرك ذلك فيه والده، رحمه الله، الذي بادر إلى اصطحابه معه إلى حلقة الدرس الوحيدة في جامع القرية الذي كان هو إمامه ومعلم الصبيان فيه، وعمر ذلك الطفل لم يبلغ الخامسة، ومن تلك الحلقة التي دارت فعالياتها في ركن من أركان المسجد لا يغطيه إلا التراب، كما هو حال المساجد هناك آنذاك، بدأ في تعلم قراءة الحروف وكتابتها على لوح خشبي، حيث لا أوراق ولا أقلام كانت تُعمل من قصب نبات الذرة أو ما يشبهه قراءة القرآن، وتم، وتعلم عدا تلك التي وتلك كانت البداية، وذلك كان الوضع في قريته، الذي لا يختلف عما في القرى الأخرى في ذلك الجزء من نجد، الذي ولد ووعى بنفسه فيه.
عالم الفقع وما يمكن أن يوجد في هذا الكتاب هو خلاصة ما حدث بعد ذلك، خلال مسيرة طويلة، في طريق طويل لم يخلُ من وعورة وتعرجات وحفر ومطبات، وصعود ونزول في حين كانت تتراءى في نهايته هضبة عالية، يتمنى ذلك السائر لو وصلها واعتلاها ليستشرف ما بعدها، ويواصل السير في طريقه الطويل، إلى أن يبلغ نهايته، وهو ما تحقق، ويشكر الله عليه.
أشعر أن تدوين السير هو بمثابة دين على ذوي التجارب، أقصد يفيد يمكن أن يفيد منه غيرهم ممن يأتي بعدهم منه غيرهم بالاطلاع على ما كان عليه وضع الحياة وأنماط العيش، وأحوال الناس ومعاملاتهم وأوضاعهم، وعلاقاتهم الاجتماعية وغيرها، ويستفيدون في حياتهم مما مر به أصحاب السير من تجارب وخبرات ونجاحات، أو عثرات وبذلك يستمر التواصل معرفياً بين الأجيال، ويطلع كل جيل على تجارب الأجيال التي سبقته، ويستفيد منها. ويخطر في ذهني عند التفكير في ذلك، وأنا أكتب هذه المقدمة أمنية أرجو لو تحققت ألا وهي أن يوجد في وقتنا الحاضر مادة دراسية ضمن المنهج التعليمي لطلبة المرحلة الثانوية على سبيل المثال، يطلعون من خلالها على بعض أحوال وتجارب من سبقهم من جيل أو أجيال، والأوضاع التي كانت عليها حياتهم، حيث سيكون في ذلك ربط للحاضر بالماضي في مخيلاتهم، مع تسارع التحولات في أنماط الحياة وأحوال المجتمعات من جيل إلى آخر. أقول هذا لأن من المشاهد والملموس خلو أذهان الطلبة وغيرهم من أبناء الجيل الحالي خاصة مما كان عليه آباؤهم وأجدادهم ومن كانوا قبلهم.
وما حاولت تدوينه في هذه السيرة إنما هو خلاصة ما مر بي ومررت به من أوضاع وتجارب، وما عايشته من ظروف ومصاعب، كانت تتقلب فيها الأحوال ما بين ترح ومرح، وحزن وفرح، مما أحببت أن يطلع عليه غيري، يشفع لي في ذلك أنني ممن عاصر جيلين، جيل الشقاء والأمراض والحرمان وجيل الدّعة والراحة ورغد العيش ومما يهمني أيضاً أن أشير إليه في هذه المقدمة، أنني اجتهدت في أن أكتب ما كتبت بأسلوب أحسب أنه واضح، وذلك حتى لا أدخل القارئ في متاهات الرمزية والغموض، وهو ذات الأسلوب الذي انتهجته في حياتي كلها، سواء الخاصة، أو ما يتعلق بالأعمال التي توليتها، وآمل أنني قد وفقت في ذلك. كما يهمني أن أبين أنني لم أعتد في حياتي تسجيل مذكرات يومية، أدوّن فيها كل ما يمر بي من أحداث وفعاليات كما يفعل الآخرون، وبالتالي فإن ما حواه هذا الكتاب كان اعتماداً على ما تختزنه الذاكرة، أو ما أحتفظ به في مكتبتي من أوراق خاصة، أو مقالات كتبتها في مختلف الشؤون أو كتب ألفتها في مجالات عملي وغيرها، وربما يكون ذلك، أي عدم تدوين المذكرات اليومية عيباً في، لكنه في بعض أحواله كان معزواً.
الذي لم أكن أجد معه إلى ازدحام حياتي بشؤون العمل الرسمي ومسؤولياته، الأمر وقتاً أدوّن فيه المذكرات اليومية بصورة منتظمة. لقد حرصت وأنا أستجمع وأدون ما ورد في هذا المؤلف، على العناية بتدوين لمحات من التاريخ الاجتماعي، وذلك وفق ما تستدعيه الأحوال ومحطات الأحداث، وقصدي من ذلك ألا يقتصر المؤلف على وصف سردي لحياتي وسيرتي الشخصية فحسب، بل يكون فيه نقل لبعض ما تتصف به الحياة الاجتماعية إبان المراحل التي عشتها، وذلك حتى يُقدَّر لمن يطلع أن يعرف شيئاً عن حياة من عاشوا قبله، وما واجهوه من شقاء وعناء وابتلاء، وكيف قاوموا وصبروا وتحملوا ما واجهوه، عل من يطلع يستفيد. سيجد المتناول لهذه السيرة بالقراءة، أنني قسمتها إلى مراحل وفق طبيعتها وموقعها من مجريات حياتي، وعرفتها كأجزاء، ووضعت فهرساً عاماً للأجزاء وعناوينها في مقدمة الكتاب، كما قرنت كل جزء بفهرسه الخاص في مقدمته، وذلك اعتقاداً مني أن ما فعلته هو الأيسر في تتبع محتويات كل جزء أثناء القراءة، وآمل أنني أصبت.