مها محمد الشريف
إن أهم ما يمكن ملاحظته في ردود الفعل حول أثر عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، بين المملكة العربية السعودية وإيران والبعد الذي تحمله بعد مفاوضات قادتها الصين، ورحّبت العديد من الدول العربية بالوساطة الصينية ووصفتها بمثابة نجاح لتقريب وجهات النظر.
وهنا يجب القول إن ما حدث نقلة كبيرة في ضمان الاستقرار والأمن في المنطقة، وتعتبر وساطة بكين انطلاقة مهمة للدور الصيني ونفوذه في الشرق الأوسط إلى جانب دورها العالمي، فقد بدأت الصين خطواتها الأكثر ثباتاً نحو الواقعية والسياسية وأكثر انسجاماً بين القوة والتوازن، ويبدو أن مستوى الإنجاز سيبقى بالغ الأهمية من خلال خوض التجربة ووضعها على محك الواقع.
والمملكة العربية السعودية دولة تعرف محركات التاريخ وترى المستقبل بوضوح، مع ما تملك من المعطيات الأساسية كإرادة التقدم والتغيير والمكانة والثقل الأمني والسياسي والاقتصادي، والدولتان لديهما تأثير كبير في أسواق النفط، وعضوان فاعلان في «أوبك»، ورغم الخلاف السياسي الذي استمر سنوات، والقطيعة الدبلوماسية، إلا أن التنسيق استمر في ملف الطاقة.
وكما كان التعايش مع الأزمنة الإقليمية القديمة يمثل علاقة تفاعلية تكاملية، قد يتكرر اليوم ويصبح من الممكن أن يحمل تصوراً إيجابياً لكل السيناريوهات المحتملة فالأمر يتطلب مهارة في إدارة التناقضات وإخضاعها للمصالح العامة للحفاظ على موقع السلام والحوار في كل التعاملات، وهذا يتطلب جهوداً دولية حثيثة من أجل ضمان حقبة طويلة من السلام في منطقة الشرق الأوسط التي شغلت قيادات العالم السياسية والاقتصادية، إذ استطاعت الصين أن تفعل ما كان يصعب على روسيا أو فرنسا فعله أو أميركا، ومثلما تضع واشنطن مصالحها فوق الجميع دعونا نعمل على مصالح منطقتنا والتقارب من الشركاء في القارة والجيران في المنطقة.
إن ذلك ما سوف ينتج في النهاية خطوة مهمة تعكس رغبة البلدين في الانتقال من القطيعة الرسمية إلى مسار طبيعي بكل ما يحمله من فرص وتحديات، وتعزيز التعاون واستجابة إيران لتنفيذ التزاماتها النووية وتكثيف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمرحلة القادمة من عمر الاتفاق مهمة حتى تثبت طهران التزامها بإيقاف دعم الجماعات الإرهابية في اليمن ولبنان تحديداً.
هذه المبادرات جاءت ضمن محاولات بكين في التعامل مع الضغط الواقع عليها بسبب الخلاف بين طهران والرياض، بحكم مصالح الصين مع الجانبين، حيث إنها تعتمد على السعودية بشكل كبير في إمدادها بالطاقة، كذلك لديها ارتباطات اقتصادية قوية مع إيران، والأمر نفسه ينسحب حتى على اهتمام بكين بمصالحها في الشرق الأوسط، لا سيما النفط الخليجي، وفرص الاستثمار في قطاع الطاقة في العراق، والبنية التحتية في سوريا، فالعالم اليوم لا يسير فقط بل يحلق عابراً للحدود لتقاربه تقنياً وتزايد وسائل اتصاله وسرعته.