خالد بن حمد المالك
يحاول اللبنانيون عبثاً ربط إعادة العلاقات السعودية - الإيرانية بما سيكون عليه الحال مستقبلاً في بلادهم، ويصورون هذا التفاهم الذي تم بين الرياض وطهران على أنه فرصتهم للخروج ببلادهم من النفق المظلم، ومعالجة مشاكلهم التي ليس لها أول ولا آخر، مع أن وزير خارجية المملكة سارع منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه من بكين عن الاتفاق على عودة العلاقات بين البلدين بأن مشكلة لبنان داخلية، وأن تجاوزها إنما يتم بالحوار والتفاهم بين اللبنانيين أنفسهم.
* *
وكدليل على أن المشكلة لبنانية - لبنانية، الانهيار القياسي لليرة اللبنانية، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى أكثر من مائة ألف مع الإعلان عن الاتفاق على عودة العلالقات بين المملكة وإيران، وهو ما يعني أن العلاقة المستَجدَّة بين المملكة وإيران لا تحل الأزمة اللبنانية المستعصية إلا بالتوافق بين اللبنانيين، ويمكن لطهران والرياض المساعدة في ذلك، إذا ما كان هناك توجه حقيقي وصحيح من اللبنانيين أنفسهم لمعالجة أوضاعهم، بالحوار والتفاهم فيما بينهم، بعيداً عن الإملاءات الخارجية، والمصالح الشخصية والحزبية.
* *
أهم مشكلة آنية تواجه لبنان هي عدم الاتفاق على اختيار رئيس للجمهورية يكون رئيساً لكل اللبنانيين، وليس رئيساً لحزبه، كما كان الوضع حين تم اختيار مرشح حزب الله ميشيل عون رئيساً في الفترة السابقة فإذا به يكون رئيساً لحزب الله والتيار الوطني الحر، وهو ما أثار اعتراضا من قبل الأطراف الأخرى على ترشيح حزب الله مدعوماً بأمل، - وهما الثنائي الشيعي - لسليمان فرنجية، خوفاً من أن يكون نسخة مكررة من عون، وإن أبدى تأكيده على أنه سيكون رئيساً لكل اللبنانيين، بصرف النظر عن انتماءاتهم وأحزابهم ومذاهبهم ودياناتهم، كما فعل عون من قبل ولم يلتزم.
* *
وأن يعوِّل بعض اللبنانيين على المصالحة السعودية -الإيرانية في حل أزمتهم، ويذهبوا إلى أكثر مما يمكن أن يحدث، يقابله إصرار حزب الله على أنه ماضٍ في سياساته، وفرض سيطرته على مفاصل الدولة بقوة السلاح، فهذا يعني - فيما يعنيه - أن الحلول ليست جاهزة ولا حاضرة للوصول إلى تسمية رئيس للجمهورية يكون مرشحاً من الجميع، وملبياً لتطلعات الجميع، وقادراً على احتواء الجميع، وصولاً إلى تشكيل حكومة تكون توافقية برئيسها وأعضاء مجلسها وبتمثيل التيارات فيها.
* *
ما يهمني أن أشير إليه، هو أن حزب الله وإن ظل صديقاً لإيران، وموظفاً لطهران ليكون ذراعه في لبنان وغير لبنان، إلا أن التطورات المستجدة في المنطقة بعد الاتفاق على عودة العلاقات بين المملكة وإيران لن تسمح له بأن يكون كما كان من قبل، ولن تورِّط طهران نفسها بموقف مع حزب الله يخل بالاتفاق، حتى وإن عبّر أمين حزب الله حسن نصر الله بما يشير إلى عدم رضاه عن هذا الاتفاق الذي يبدو أنه لم يكن على علم مسبق به.
* *
اختيار الرئيس اللبناني الجديد، يجب أن يكون مقبولاً من اللبنانيين، ومرحَّباً به من الدول الداعمة للبنان، وأكبر خطأ يرتكبه اللبنانيون الآن إذا صوتوا لمرشح لا يتمتع بخاصية القبول في الداخل والخارج، ولهم من تجربة ميشيل عون والخطأ في اختياره ما يجب أن يجعلهم في موقف الإصرار على عدم تكرار تلك التجربة التي أخذت بلبنان واللبنانيين وقادتهم إلى الجحيم بحسب تعبير الرئيس عون نفسه.
* *
وعلى اللبنانيين أن ينتظروا تداعيات الاتفاق السعودي -الإيراني على التطورات الجديدة في المنطقة وفي لبنان تحديداً ويتفاعلوا معها بالجدية والتعاون، حيث يتوقع أن يتم نزع فتيل الخلافات والإرهاب والحروب والمؤامرات والتدخل في شؤون الدول، وإقرار السلام والاستقرار والتوجه نحو البناء والتنمية والتعاون، وتحجيم الميليشيات في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وغيرها بحسب قراءات المحللين.