رقية سليمان الهويريني
عندما يستقر اليقين في عقل امرئ؛ فهو عندئذ بدأ يشعر بأن جمال الحياة في بساطتها، وأنها حتما ستكون ممتعة عندما يتوفر فيها الرضا والقناعة ومحبة الناس دون الطمع فيهم والاستغناء عما في أيديهم، والاكتفاء بخصالهم وأعمالهم لا ممتلكاتهم ونفقاتهم.
ومن المأثور: (من قنع بالرزق؛ استغنى عن الخلق).
ولكن المعضلة الكبرى هي في تلبيس المصطلحات أردية غير مناسبة، وتشبيهها بما قد لا يلائمها، فنكون حينئذ ظلمناها مثل مصطلح القناعة عندما أطلقنا عليها الكنز!
ويبدو أنها أكبر من ذلك! حين ندرك أنها نظام حياة (حاضرها وماضيها ومستقبلها)!
حين تعني الاستقرار والدعة وراحة البال.
وطالما رزق الله القناعة شخصا وانتفت لديه نوازع المقارنة بين ما يملكه وما لدى الآخرين من رفاهية ورغد العيش؛ فهو بلا ريب يحيا سعيداً؛ حينما يوقن بأن الفوارق ستظل حاضرة بين البشر مهما سعى بعضهم لسدها، ومن يركض لإغلاق فجوات التباين يمضي العمر به دون تحصيل مراده، وهنا لا مال يكفي ولا صحة ولا حتى وقت.
ولم أجد أشد وطأة على نفس التواق من سطوة المنافسة وفوز الأنداد! ولكن، عندما تسكن القناعة النفس؛ تبدد قسوة الإخفاق استنادا إلى غيبية الخيرة، وتتلاشى مشاعر رفض الآخر وتتحول للقبول به والاعتراف له بالتفوق، فيبدو المرء قوياً بإيمانه، متماسكاً برباطة جأشه، شامخا بقناعته وروحه الراضية. ولا خير في المرء إذا لم يكن قنوعاً.
ولم أرَ كالامتنان مؤشرا على رسوخ جذور القناعة في النفس. فالمتذمر غير هانئ في متعةٍ مهما انبسطت، غير منشرح في لذة مهما استفاضت، فهو دوما من كدر إلى نكد.
إن شعور الإنسان بالاكتفاء والسعادة بما منحه الله من نعم، وتقديره لطاقته وجهده يخلق لديه ثقة بنفسه وفرحاً بمكتسباته، وزوال مشاعر الحاجة والافتقار والشكوى والتذمر، وهو ما قد يحول المرء تلقائياً من الطمع إلى القناعة والرضا.
وكلما تخفف الشخص من المطالب الدنيوية كان قريبا من الرضا والإحساس بالإشباع، متقللاً من مشاعر الرغبة بالتملك والخوف من الفقد والخسارة. فوجع المفقود على قدر المملوك!
والقناعة سلوك أكثر منها وراثة، وتنشأ بالقدوة وتكبر بالمحاكاة وتعويد النفس على ممارسة الحرمان بين آن وآخر فهو السبيل للفرح والسرور بكل مكسب مهما صغر ومغنم مهما تضاءل!
نسأل الله أن تكون الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا، لتهنأ حياتنا ويطيب عيشنا.