م. بدر بن ناصر الحمدان
أشارككم اليوم محتوى بحثياً أعتبره مرجعاً علمياً وعملياً عن عمارة الطين لأستاذنا الدكتور منصور بن عبدالعزيز الجديد بعنوان «عمارة الطين في البلاد العربية والغربية» نشر في عام 2004م، وتناول فيه رصداً ثرياً لهذا النوع الفريد من تقنيات البناء، حيث يذكر أن «تاريخ هذا الفن المعماري يعود إلى بداية استقرار الجنس البشري في المستوطنات العمرانية قبل أكثر من 10 آلاف سنة»، حين كان الطين أحد المواد الرئيسة التي استخدمها الإنسان في بناء المسكن.
ويقول د. الجديد إن مدينة «ليون» الفرنسية شهدت أبرز الممارسات في تقنيات البناء بالطين في العمارة الأوروبية بما يمثل ما نسبته 75 % من إجمالي المساكن الريفية في ليون»، وإن هذه المنطقة تتضمن نماذج من القصور المشيدة من الطين تعود إلى 200 سنة تقريباً.
يشير هذا البحث إلى أن «التقاليد المتوارثة في البناء بالطين في منطقة ليون وما حولها كان لها دور بارز في ظهور الرائد الأول لعمارة الطين الحديثة وهو المهندس المعماري فرانسو كوانترو»، والذي ساهم في تطوير ثقافة البناء بالطين بما جعلها تتجاوز حدود فرنسا وشمل ذلك عدداً من البلدان الأوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا والدنمارك منذ عام 1790م، وكذلك تحفيزه للاهتمام بهندسة العمارة الطينية في أستراليا في عام 1823م وفي الولايات المتحدة عام 1806م.
ويستعرض الباحث حراك مجموعة من المعماريين والمهندسين الأوروبيين في تأسيس (المركز العالمي لأبحاث وتطبيقات عمارة الطين) والذي عرف اختصاراً بـ(مجموعة كراتير) في عام 1979م بمدينة جرنوبل، وذكر أن تقاليد البناء بالطين تعتبر من أقدم أساليب التشييد في بريطانيا على سبيل المثال بالرغم من تأخر ممارستها إلى ما بعد عام 1790م، حيث استخدمت على نطاق ضيق في الأجزاء الجنوبية من إنجلترا.
وفي الولايات المتحدة، رصد الباحث سيناريو انتقال المعرفة بالهندسة المعمارية للمباني الطينية من خلال المستعمرين الأسبان عند وصولهم إليها في القرن السادس عشر الميلادي، حيث يشير إلى أن الطين من بات من مظاهر العمارة المحلية في (تكساس، نيو مكسيكو، أريزونا، وجنوب كاليفورنيا)، ويستشهد بمدينة (سانتا في) التي تحتفظ بالكثير من المباني الحديثة التي شيدت بالطين وفق الأنظمة البلدية التي تقضي بالمحافظة على المباني الطينية، وإظهار المباني الأخرى بمظهر الطين، حفاظاً على هوية المدينة وشخصيتها المميزة.