هالة نهرا
للعالم العربي حضارةٌ عريقة عظيمة جامعة، وغنى ثقافي متنوّع تاريخي ممتدّ، بالإمكان جعله أكثر فعاليةً وانتساباً بدينامية إلى نبض العصر وما يستوجبه ذلك، وبالإمكان جعله أكثر تأثيراً في الشعوب العربية والجماهير وفي العالم... وإنّ تقدّم العالم العربي إذا تحقّق في يومٍ من الأيّام وهذا حلمٌ عظيم، فبإمكانه أن يحوّله إلى قطبٍ من أقطاب العالم في ظل تعدّدية قطبية بدأت تتمظهر بداياتها اليوم، وإلى قوّةٍ عظيمة، ما يستلزم رؤيةً وإستراتيجيات حيث لا بدّ أن يتوازى ويتقاطع بحكمةٍ السياسيُّ والاقتصاديُّ والثقافيّ.
اليوم، تقرأ الشعوب العربية بعض التغيّرات المهمّة جداً في المشهد العربي، لا سيما في المملكة العربية السعودية وتأثيرها، ونقرأ باهتمامٍ، في لبنان المنكوب والمنهار والمخطوف من قِبَل المنظومة المافياوية، ما حقّقه عملياً حتى الآن صاحب السموّ الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على مستوى الانفتاح الجديد المحمود أولاً داخل السعودية وتعزيز هذا المناخ في أفضية الثقافة والفنون، وفي تحرير المرأة من عددٍ من القيود التي كانت مفروضة عليها في الماضي، وفي تطوير نمط الحياة اجتماعياً شيئاً فشيئاً، وفي تلبية تطلّعات الشباب السعودي والكثير من المثقفين والمتعلّمين السعوديين عبر التحديث الذي بدأ يصعد على سلالمه بخطى واثقة تتدثّر بالحكمة والجسارة واكتناه ما ينبغي له أن يتغيّر ويتبدّل. كذلك نقرأ ونستشفّ النفَس العروبيّ في تطلّعاته،والانفتاح على الخارج والعالم دون الاقتصار على قطبٍ واحد، والدور الذي يؤدّيه، عبر تعاونه الجديد إن بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة، في بلورة دور التعددية القطبية بعد اختلالٍ طويل للعالم أثّر سلباً ودراميّاً في العالم العربي وأهلكه ومنع وحدته التي تصونه، في سعيٍ متواصل للهيمنة عليه من أجل إنهاكه ونهب ثرواته وابتزازه وتقسيمه وتفتيته حيث أمكن، وإلهائه بأزماته وتناقضاته وصراعاته وحروبه ومشاكله.
كثيرون من جماهير العالم العربي ومن النخب يعوّلون على النفَس والتوجّه الجديدَين اللذين يلوحان في المملكة راهناً ويترقّبون ما سيكون داخل المملكة تباعاً وفي تأثيره العربي الأوسع لاحقاً، ممتشقين وميض الأمل في التقدّم والتغيير. إنّ الأمل العربيّ بدأ يلوح في المملكة وهذا الأمل العزيز على قلوب العرب وعلى قلوبنا هو بحاجةٍ حتماً لصونٍ وحماية وتعزيز وترسيخ وتعميم لئلا تنطفئ شعلة الأمل بهبوب ريحٍ خبيثة مفترضة من فم الخارج الذي ينسج مؤامراته المتواصلة لكي يبقى العالم العربي متخلّفاً فيبقى هو متفوّقاً عليه ومسيطراً على مساره وخطّه، بعد انحطاطٍ ثقافيّ دام عقوداً وقروناً في معظم العالم العربي.
إن جزءاً أساسياً من الحلّ الناجع يكون بالسعي إلى نهضة ثقافية عربية لا تنأى عن رؤية اقتصادية وسياسية متبصّرة. من المبكر استباق الأمور والأحداث والتحدّث مسبقاً عما سيكون لأنّ أحداً لا يعرف ماذا تخبّئ المفاجآت والتطوّرات والأحداث، لكن في الوقت نفسه فإنّ المستقبل لا يُستقبل بل يُصنع، ما يستوجب رؤيةً شاملة تكتيكياً وإستراتيجياً.
لبنان الغارق في مستنقعاته وطنٌ مؤجّلٌ ومعلّق وسليبٌ في ظلّ نظامه الطائفي الشديد التخلّف وسيطرة حرّاسه الفاسدين من أركان وحماة المنظومة المافياوية ولا حلّ للبنان سوى بالتغيير الحقيقي بخطواتٍ ملموسة بعيداً عن الشعارات الكاذبة محلّياً والنفاق والديماغوجية وبالإصلاح الفعليّ الفعّال، وبإعادة لبنان إلى الحضن العربي، وإن عدداً من البلدان العربية يحتاج إلى عودته إلى الحضن العربي ويمكن القول بالمعنى العميق إنّ العالم العربي بمعظمه يحتاج للعودة إلى الحضن العربي.
لنصُن معاً أملنا العربيّ الجامع وليتّحد الأشقّاء الأحباء الذين يعرفون أنّ للعالم العربي مصالحَ مشتركةً وثقافةً وحضارةً مشتركتين وقضايا مشتركة، وتطلّعات وأحلاماً مشتركة وقلباً واحداً نابضاً.
** **
- كاتبة وصحافية وشاعرة وناقدة لبنانية