3- مواقف القوى الإقليمية
الاتفاق بين السعودية وإيران أثار ردود فعل إقليمية مرحبة بالخطوة، حيث رحبت دول الخليج العربي بالاتفاق، كما رحبت دولٌ عربية أخرى بالاتفاق كالعراق ومصر ولبنان وسوريا وتونس والجزائر والسودان، معتبرة الاتفاق إيذانًا ببدء صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من جهتها قالت لبنان إن الاتفاق سيترك أثره الإيجابي على مجمل الأوضاع في المنطقة، وقالت وزارة الخارجية المصرية إنها تابعت باهتمام، وأعربت في بيان عن تطلعاتها في أن يسهم الاتفاق في تخفيف حدة التوتر في المنطقة، أما وزارة الخارجية الأردنية فقد أعربت عن أملها في تعزيز الأمن في المنطقة بما يحفظ سيادة الدول، أما تركيا فقد اعتبرت أن الاتفاق يشكل خطوة هامة تسهم في أمن المنطقة واستقرارها. ويأتي الترحيب العربي والإقليمي الكبير بالاتفاق السعودي الإيراني، لكون عدد من الدول العربية تأثرت بالتدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية خلال السنوات الماضية وتأمل في رؤية مدى الجدية الإيرانية هذه المرة في تهدئة الصراعات والوصول إلى حالة من الاستقرار والتعاون في المنطقة. الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي عبرت عن امتعاضها من الاتفاق هي إسرائيل، وفي أول رد فعل رسمي اعتبرت تل أبيب أن الاتفاق بين الطرفين سوف يؤثر على تطبيق العلاقات بين بقية دول المنطقة وإسرائيل، بحسب تعبيره.
4- مواقف القوى الدولية
الرد الأمريكي جاء مرحبًا بالاتفاق شريطة أن يؤدي إلى تخفيف التوتر في المنطقة ويوقف الحرب في اليمن ويضمن أمن السعودية. لكن تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، التي قال فيها: إن واشنطن سترى إذا ما كانت إيران ستفي بالتزاماتها بعد إبرامها الاتفاقية مع السعودية، يشير إلى أن هنالك قلقًا أمريكيًا من ضبط سلوك إيران الإقليمي، وقلقًا آخر من احتمالية عدم احترام الطرف الإيراني لهذا الاتفاق. من جهتها، هنّأت موسكو على لسان نائب وزير خارجيتها، ميخائيل بوغدانوف، إيران والسعودية والصين على التوصل إلى اتفاق عودة العلاقات بين الرياض وطهران، وأضاف أن عودة العلاقات تتماشى مع المبادرات الروسية الرامية إلى إنشاء منظومة للأمن في منطقة الخليج ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى الاقتصادي العالمي.
كما رحَّب الاتحاد الأوروبي، باتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، معربًا عن تطلعه إلى تنفيذ الاتفاق. وقال الاتحاد الأوروبي في بيان له إن استئناف العلاقات بين البلدين يمكن أن يسهم في استقرار المنطقة ككل. وأضاف البيان «أن تعزيز السلام والاستقرار والحد من التوتر في الشرق الأوسط من الأولويات الرئيسية للاتحاد الأوروبي»، مشيرًا إلى أن الاتحاد ما زال على استعداد للانخراط مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة بصورة شاملة وشفافية كاملة.
رابعًا: التداعيات المحتملة لتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني
1- التداعيات على الصراع السعودي -الإيراني في الملفات الإقليمية
تعتبر القضايا الإقليمية محلّ الخلاف والنزاع بين السعودية وإيران الاختبار الحقيقي للاتفاق، وقدرة الضامن الصيني على تجسيده، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما يلي:
أ- الحرب في اليمن
تمثل الأزمة اليمنية أهم اختبار للنوايا الإيرانية ومدى التزامها بتجسيد الاتفاق؛ ففي ظل تعقيدات المشهد اليمني بسبب الدور الإيراني الذي كان حجر عثرة في مسار العملية السياسية اليمنية من خلال تبنيه المواقف والاشتراطات الحوثية التي تهدف لتكريس سلطة جماعة الحوثي ذات البعد الطائفي في شمال اليمن، إضافة إلى تهميش الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا ممثلةً بمجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل جميع المكونات اليمنية. من المرجح أن يشهد الملف اليمني تحولاً كبيرًا بعد الاتفاق السعودي الإيراني، حيث إن الاتفاق يعتبر بمثابة عامل معزز لجهود السلام الدولية والإقليمية ومبادرات السلام التي توصلت إلى تهدئة على المستوى العسكري ابتداءً من شهر أبريل من العام الماضي. لذلك من المفترض أن تنخرط جماعة الحوثي بشكل جاد في مباحثات السلام مع مجلس القيادة الرئاسي، الأمر الذي سوف يؤدي إلى رسم ملامح جديدة في مسار التسوية السياسية في اليمن، إذ أعلنت البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة أن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية سيسهم في بداء الحوار اليمني وتشكيل حكومة وطنية شاملة في اليمن على وجه التحديد.
ب- الأزمة الرئاسية اللبنانية
أمام تأزم الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تشهدها الساحة اللبنانية من المرجح أن ينعكس الاتفاق السعودي- الإيراني إيجابيًا على الحالة اللبنانية، فقد يقلل الاتفاق من حدّة النزاع الطائفي في لبنان الأمر الذي يمكن أن يسهم في كسر الجمود السياسي وتسريع وتيرة الاتفاق على مرشح رئاسي في الفترة القادمة مما سينعكس على المستوى الاقتصادي، حيث يؤدي تحسن الوضع السياسي إلى فتح آفاق اقتصادية جديدة في قطاعات عدة أبرزها السياحة العربية وزيادة حجم الاستثمارات والدعم، لا سيما من قبل المملكة العربية السعودية ودول الخليج. لذلك من المرجح أن يكون للاتفاق السعودي -الإيراني أثر كبير في استقرار لبنان على المستويين السياسي والاقتصادي في حال نجاح الاتفاق وبناء الثقة.
ج- الأوضاع في الساحة السورية
يأتي الاتفاق السعودي الإيراني في ظل وصول الأوضاع الداخلية في سورية إلى حالة من الجمود بعد استعادة النظام السياسي السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، يقابله انفتاح عربي وإقليمي نسبي على نظام الأسد، في ظل هذه المعطيات من المرجح أن يسهم الاتفاق في تسهيل عودة سوريا بشكل تدريجي لمحيطها العربي.
2- تأثير الاتفاق على الملف
النووي الإيراني
يخضع الملف النووي الإيراني لأبعاد متداخلة تبدأ من المسائل التقنية وتنتهي بالدور الإيراني في الحرب الروسية على أوكرانيا مرورًا بسياساتها الإقليمية، هذا الأخير (أي الدور الإقليمي الإيراني) يتقاطع مع الاتفاق بين السعودية وإيران، ومن هذا المنطلق فإن توصل الطرفين السعودي والإيراني لتسويات في القضايا الصراعية بينهما يتيح المجال لتجاوز بعض العقبات الجزئية في الملف النووي، ومن ناحية ثانية فإن الاتفاق السعودي- الإيراني يحد من احتمالات الضربة العسكرية التي تهدد إسرائيل بتوجيهها للبرنامج النووي الإيراني، ومن ناحية ثالثة فإن أي نجاح يحرزه هذا الاتفاق سيسهم في بناء الثقة بين إيران والدول الغربية ويعكس جديتها في التوصل لاتفاق وتجسيد بنوده على أرض الواقع.
3- التنافس الصيني الأمريكي في الشرق الأوسط
يمثل الاتفاق نجاحًا كبيرًا للدبلوماسية الصينية، ويؤرخ لمرحلة جديدة من دورها في النظام الدولي، وذلك نظرًا لأهمية الصراع السعودي- الإيراني على مستوى الشرق الأوسط خصوصاً وعالميًا عمومًا، حيث أثبتت الصين بهذا النجاح قدرتها على ملئ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، وبات من الصعب عليها استعادة الدور الذي كانت تمارسه طيلة العقود السابقة، ويمكن أن تكون لهذا الحدث ارتدادات داخلياً خاصة مع قرب الانتخابات. وعلى الصعيد الاقتصادي يسهل الاتفاق تجسيد مشروع «الحزام والطريق» الذي يسهم فيه البلدان بشكل كبير جدًا، وستضمن الصين استمرار تدفق الطاقة إليها من البلدين كما سبقت الإشارة.
خامسًا:
المحتملة لتوقيع الاتفاق
تصبو المملكة العربية السعودية وإيران لتحقيق جملة من المكاسب في كل المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي يمكن إجمال أهمها فيما يلي:
1- المكاسب والفرص الجوهرية للمملكة وإيران
أ- بالنسبة للمملكة:
قد تحقق السعودية مكسبًا أمنيًا مهمًا إذا ما كانت إيران جادة في الضغط على الحوثيين لوقف اعتداءاتهم المتكررة على الأراضي ومنشآت النفط السعودية، وعلى مستوى السياسة الخارجية تبرز أهمية تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي الذي يسهم بطريقة غير مباشرة في استكمال تحقيق أهداف رؤية 2030م، التي أكدت على أولوية تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي في السياسة الخارجية السعودية، كما أنه قد يخفّف من اندفاعة السلوك الإيراني الإقليمي ويبعد سيناريو المواجهة المباشرة مع السعودية، كما يؤكد التحول الذي باشرته المملكة على مستوى السياسة الخارجية والمتمثل في لعب أدوار مؤثرة لأجل تسوية بعض الصراعات الإقليمية والدولية المؤثرة على الاقتصاد والأمن العالميين كالأزمة الروسية -الأوكرانية.
ب- بالنسبة لإيران:
تأتي الأبعاد الداخلية في مقدمة الحسابات الإيرانية نظرًا للأزمة التي تواجهها بفعل الحركات الاحتجاجية الناجمة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية نتيجةً للعقوبات الدولية المفروضة عليها وعلاقاتها المتأزمة مع دول الجوار، والتي تحول دون تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، في السياق الداخلي أيضًا تسوّق الحكومة الإيرانية الاتفاق على أنه نجاح لرئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي وتصوره القاضي بالتوجه شرقًا وتحسين العلاقات مع دول الجوار، وإن كان الإصلاحيون من ناحية أخرى يحاججون بأن خياراتهم هي الأفضل وعلى المحافظين العودة إليها، فضلاً عن الإسهام في إنهاء حالة العزلة الإقليمية.
2- المكاسب والفرص المشتركة للمملكة وإيران
أ- إمكانية تعظيم المصالح الاقتصادية المتبادلة
على الرغم من محدودية التبادل التجاري بين البلدين نظرًا لتشابه هياكل التصدير والاستيراد، إلا أن عودة العلاقات بين البلدين قد تفيد في استفادتهما من فرص تجارية وتطورات إيجابية تشكلت خلال السنوات السبع الماضية. فالجانب السعودي يمتلك منتجات خدمية حصرية كالحج والعمرة و»السياحة الدينية» والترفيهية المتزايدة بالسنوات الأخيرة، وفي حال استعادة حركة الطيران المباشر بين البلدين ستتعاظم إيرادات السياحة الدينية والترفيهية كما بذلت السعودية خطوات غير مسبوقة في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية في مجالات التصنيع والتكنولوجيا وفق مستهدفات رؤية 2030م لتنويع مصادر الدخل ما يزيد فرص الإنتاج الصناعي غير النفطي ويجعله محلاً محتملاً للتبادلات الخارجية مع إيران خاصة أنها تستورد المنتجات الصناعية التكنولوجية بكثافة. أما إيران فتمتلك منتجات تقليدية لها مكانة كالزعفران والمكسرات والكافيار والسجاد ومنتجات زراعية متنوعة، بجانب امتلاك رأسمال صناعي في بعض المجالات كالتصنيع الغذائي والميكانيكي والهندسي وقطع الغيار وما شابه، يتم تصديرها لبعض دول الجوار، كما أن تراجع قيمة عملتها المحلية يقلل من سعر منتجاتها بالأسواق الخارجية. وتمتلك إيران مقومات سياحية تجذب السائحين من دول الخليج إليها.
وفي مجالات التعاون الاقتصادي الأخرى بينهما، تعد السعودية وإيران معًا من أكبر منتجي النفط داخل منظمة الأوبك، وقد يزيد التعاون والتنسيق بينهما حول حجم الإنتاج والصادرات وتقل فرص الخلافات في حال عودة العلاقات لطبيعتها الكاملة. كما تحتاج إيران لاستثمارات ضخمة في قطاعات نفطية وغير نفطية قد تكون محلاً للتعاون بين البلدين إذا ما رُفعت العقوبات الأمريكية عن إيران. وعلى الجانب الجيو-اقتصادي فالسعودية وإيران معًا محاور أساسية لطريق الحرير الصيني الواصل إلى أوروبا، وتسعى الصين لتأمينه وتقليل الخلافات بين الدول الواقعة عليه حتى تقل تكاليف المرور وتتعاظم مكاسب كل الأطراف.
ب- تقليل حدة الخطاب الإيراني الثوري
ربما أراد النظام الإيراني ولأسباب وضغوط سياسية واقتصادية بحتة، تغليب السياسي على الديني، وربما ارتأى أنّ الأزمات الأخيرة التي مرّ بها في الداخل منذ مقتل مهسا أميني وما قبلها وما بعدها، كاحتجاجات أهل السنة والأكراد بكثافة في مناطقهم، ربما رأى أن الاتفاق مع السعودية سيقضي أو يقلل من تلك الأزمات الداخلية، ولا سيما مع «الإصلاحيين»، الذين يدعون النظام إلى الحوار والانفتاح، من جانب، أو مع الأكراد وأهل السنة من جانب آخر. كذلك فمن المتوقع جراء هذا الاتفاق أن تقلّ أو تتلاشى حدة الخطاب الأيديولوجي، بما يعود على المنطقة بأسرها بالأمن والاستقرار.
2- وجود مسار وقناة
دبلوماسية للتفاهم
يوفر وجود علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى قناة للحوار المباشر، يمكن أن تكون حافزًا لتوسيع التفاهمات واحتواء الخلافات وإيجاد طرق لمعالجة المشكلات ولاسيما أن البلدين بحاجة إلى التهدئة المملكة بحاجة إلى توفير البيئة المواتية لرؤيتها الجديدة ووقف أي تحدّ أمام عملية التغيير والتطوير الجارية على قدم وساق داخليًا، كما أنها بصدد تهيئة البيئة الإقليمية أمام مشروعها الطموح في الشرق الأوسط والدور الريادي على الصعيد الدولي، وإيران بحاجة للتهدئة من أجل تخفيف الضغوط على النظام في الداخل في ظل أزمة شرعية غير مسبوقة، فضلًا عن إنهاء عزلتها الإقليمية، وتحييد السعودية ووضع حدّ للمواجهة المفتوحة معها باعتبارها لعبت دورًا بارزًا في فرض ضغوط غير مسبوقة على إيران والإسهام في حشد دولي وإقليمي واسع مناهض لسياساتها.
د- نجاح الشريك الصيني
وكسب ثقته:
إن الاتفاق يجد دعمًا قويًا من جانب الصين التي لديها رغبة في الانخراط في الشرق الأوسط، وهو دور ينسجم مع توجهات الصين الدبلوماسية على الساحة الدولية في إطار مساعيها لمراجعة الهيمنة الأمريكية بما في ذلك مبادرتها للأمن العالمي ومقترحها لتسوية الصراع الروسي - الأوكراني، وذلك ضمن تغير نهجها الخارجي ورغبتها في موازنة الحضور الأمريكي في مختلف الساحات بما في ذلك الشرق الأوسط. كما أن هناك مصلحة صينية اقتصادية وأمنية، لأن الاتفاق يوفر للصين نفوذًا يساعدها في تحقيق مشروع الحزام والطريق الذي يمر عبر البلدين نحو إفريقيا والعالم، فضلاً عن تدفق المصالح بما فيها تدفق الطاقة بوصف إيران والمملكة من كبار موردي الطاقة للصين، وبالتالي يضمن الاتفاق استقرارًا إقليميًا وينهي خلافًا بين شريكين مهمين للصين؛ الأمر الذي يخدم هذه التطلعات، ولا شك أن الاتفاق بعد جولات العراق وعمان كان بحاجة إلى قوى كبرى كالصين حتى يرى النور فهي طرف مقبول من الجانبين.
سادساً:
تحديات الاتفاق السعودي الإيراني
يمثل الاتفاق السعودي الإيراني تحولاً مهمًا وجوهريًا قد تكون له تداعياته على المنطقة بأسرها حال نجاحه، وكما أن هناك تحديات قد تحد من فاعلية هذا الاتفاق، فثمّة مصالح تعزز من فرص نجاحه فيما يخص أبرز التحديات، فيمكن الإشارة إلى ما يأتي:
1- القيود الأيديولوجية
تعد إيران أكبر دولة شيعية، وتقدّم نفسها كراعية لمصالح المذهب الشيعي في العالم كان طموحها أن تزاحم السعودية في المنافسة على زعامة العالم الإسلامي، فالخلاف إذًا بين إيران والسعودية لم يكن خلافًا مذهبيًا بقدر ما هو خلاف أيديولوجيا ونماذج حكم؛ لأنّ السعودية الجديدة شهدت انفتاحًا وتجديدًا وفاعلية على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، بيد أن إيران لا تزال تمركز الأيديولوجيا في عمق رؤيتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتوظف المذهب لحفظ مصالحها القومية العليا. ولا تزال تؤمن بأولويات أيديولوجية، مثل: تصدير الثورة، وخلق ميليشيات طائفية عابرة للحدود، والسعي إلى ما يُسمى بـ «أستاذية العالم»، أو «تأسيس الدولة العالمية»؛ وبالتالي فلا تؤمن بالجغرافيا والحدود، بقدر ما تؤمن بالهيمنة والسيطرة، وشمولية النموذج.
هناك معوقات أيديولوجية ربما تكون سبباً في انهيار الاتفاق، أهمها الدستور الإيراني نفسه الذي يعزز الأيديولوجيا الولائية، كتصدير الثورة والتمدد خارج الحدود، وتأسيس حكومة عالمية، ونصرة ما تسميهم المستضعفين، علاوةً على اعتقاد النخبة الدينية الحاكمة تجاه الآخر؛ وبالتالي فإن الاتفاق قابل للاستمرار إذا غيرت النخبة الدينية الإيرانية أفكارها، ورؤيتها وأولويتها، حتى ولو لم تغير الدستور. على الجانب السعودي لا يوجد أي معوقات أيديولوجية، فالسعودية الجديدة ترحب بالحوار وتؤمن بالعيش المشترك، وتستظل بمظلة القانون والدبلوماسية والأعراف الدولية، وأخلاق الجوار، ولا تفرق بين الناس والدول على أساس الديانات أو المذاهب.
2- النموذج الإيراني المتآكل
في الوقت الذي تتشكّل في السعودية حركة تجديد شاملة، شملت كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، إلا أن إيران لا تزال عند اللحظة الأولى لثورة 1979م، وذات الهموم. حتى إن الرجال أنفسهم الذين قاموا بالثورة لا يزالون قائمين على زمام الأمور، رافضين أي نوع من تغيير الفكر وتجديد الفقه. ومن ثم فالاتفاق أمام جدلية التجديد مقابل التقليد، حيث لا يمكن تجاهل الأوضاع الداخلية في كلا البلدين، فالمملكة العربية السعودية تمرّ بمرحلة تجديد، وحيوية ونشاط، وإعادة إحياء وترميم للهوية الوطنية، والمقدرات، والاستثمار في العنصر البشري، أما في إيران فثمة نخب تقليدية عتيقة، تمرّ بأزمات داخلية متعددة، فالسعودية الجديدة تتحاور مع إيران القديمة، ولذا فإيران تحتاج أيضًا إلى تجديد الفكر الديني والعمل السياسي وإعادة تعريف الأولويات والثوابت والمتغيرات حتى يمكنها عقد اتفاقيات ترسخ الأمن في المنطقة، وتفتح أمامها الأبواب لإزالة العزلة والعقوبات. كذلك لا تؤمن النخب الدينية الحوزوية في إيران بتفعيل المقاصد «مقاصد الشريعة وفلسفة الفقه» لتغيير أوضاع مستقرة نبذها المجتمع ورفضها الناس، خاصةً النساء والشباب، لكنهم يؤمنون بأولوية الحكم الحكومتي للمرشد على الحكم الأولي.
3- أزمة الثقة
هناك أزمة ثقة عميقة بين الجانبين سيكون لها تأثير على مجريات العلاقة خلال المرحلة القادمة، لا سيما أن الاتفاق لم يعلن البيان الذي صدر عنه التفاصيل النهائية لحل الخلافات بعد بما في ذلك تناول القضايا الخلافية الرئيسية، ولا الجدول الزمني ولا آلية تضمن التنفيذ. فما تزال هناك خطوات يعول عليها في تحقيق تفاهمات أوسع نطاقاً تعيد خلالها إيران النظر في سلوكها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي والملف النووي وسياساتها المذهبية... الأمر الذي يسهم إلى جانب المملكة فعليًا في تحقيق الاستقرار وحل الأزمات ومن ثَمّ يحتاج النص إلى حسن نوايا من جهة إيران وألا يكون انحناءة منها لتجاوز التحديات والأزمات الراهنة، وكذلك هناك الكثير من النماذج التي تعكس عدم الالتزام الإيراني بالعلاقات الدبلوماسية القائمة مع الدول، فرغم علاقاته الجيدة بالكويت غير أنها زرعت خلية إرهابية والشهيرة بخلية «العبدلي» في العام 2015م، وقد حاولت إيران أيضًا الانقلاب على نظام الحكم في البحرين عندما دفعت جمعية الوفاق الشيعية في البحرين لممارسة أعمال شغب ضد النظام في أحداث دوار اللؤلؤة في عام 2011م.
4- الطموح النووي الإيراني
ما يزال ملف إيران النووي أحد مجالات التنافس، وهو ملف محاط بغموض شديد من جانب إيران، وفي حال استغلت إيران التهدئة مع المملكة من أجل مواصلة مساعيها لتخطي العتبة النووية أو الاقتراب منها استعدادًا لامتلاك سلاح نووي، فإن ذلك سوف يقوض الفرص العملية المتضمنة في الاتفاق بين إيران والمملكة، بل إن هذا سوف يشعل حربًا باردة إقليمية، وربما مواجهة أكثر شراسة، لا سيما أن مساعي إيران النووية في الأساس هي لتأكيد الهيمنة الإقليمية. ولا شك أن تأثير الملف النووي يمتد إلى التعاون الاقتصادي والأمني، فمن الصعب أن تتطور العلاقات الاقتصادية بين الجانبين في ظل العقوبات الأمريكية على إيران، كما أن التعاون الأمني كذلك ربما يكون محدوداً في ظل الشراكات الأمنية والعلاقات الإستراتيجية التي تربط البلدين بقوى إقليمية ودولية متنافسة.
5- عدم الرضا الأمريكي والإسرائيلي
إن الولايات المتحدة وإسرائيل تنظران بعين الريبة إلى الاتفاق الذي قد يكون قد أنهى مبادراتهما من أجل توسيع اتفاقيات أبراهام، وكذلك تحويل مجرى الصراع في المنطقة وإعادة الاصطفافات ضد إيران، لأن الاتفاق قد يتم تقديره على أنه بمثابة ضربة لمفهوم إسرائيل والولايات المتحدة للأمن الإقليمي، ومعرقل لجهودهما في السنوات الأخيرة لمحاولة تشكيل هيكل أمن إقليمي لمواجهة خطر إيران. ولأن الاتفاق قد يبقي إسرائيل وحيدةً في متابعة سياسة عزل إيران دبلوماسيًا والتصدي لبرنامجها النووي من خلال ضربة عسكرية أحادية الجانب ضد المنشآت النووية الإيرانية؛ فإنها قد ترى أن الاتفاق ليس في صالحها وقد تسعى إلى تخريبه، كما أن تغير نهج الصين من الاهتمام بالاقتصاد وقضايا الطاقة في المنطقة إلى الاهتمام بقضايا الأمن والسياسية الذي كان مسؤولية أمريكية حصرية قد يدفع واشنطن إلى إحباط فاعلية الاتفاق، فبايدن كان قد وعد من قبل أنه لن يترك فراغاً في المنطقة قد تملؤه الصين.
خاتمة:
تجاوز الطرفان السعودي والإيراني، العديد من العقبات للوصول إلى هذا الاتفاق الذي سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة برمتها، لكن تنفيذه يتطلب المزيد من الخطوات اللازمة، ولاسيما فيما يتعلق بإجراءات بناء الثقة والقيام بخطوات عملية لحلحلة القضايا الخلافية بين البلدين. كما أنّ الالتزام ببنود الاتفاق خاصةً الجزء المتعلق باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، سوف يمثل نقطةً محورية في إنجاح الاتفاق وإحراز تقدم ملموس العلاقة بين البلدين؛ لأنّ جوهر الصراع بين البلدين، يعود إلى المشروع التوسعي والتدخلات الإيرانية في الدول العربية.