حائل - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح العبيلان مفوض الإفتاء بمنطقة حائل سابقاً على ضرورة تفقَّد ذوي القربى خلال شهر رمضان المبارك بالزِّيارة والصِّلة، والسؤال والصدقة، وإصلاح ذات البَيْن، ولا يتعذَّر أحدٌ بانشغاله، فلا أقلَّ مِن أن يصل أحدُنا رَحِمَه بمكالمة تزيل ما علَق في النفس، وتدحر الشيطان، وتَفتح أبواب الخير، فرمضان فرصةٌ عظيمة لفتْح صفحةٍ جديدة مع أرْحامنا.
وأشار الشيخ عبدالله العبيلان في حديثه لـ»الجزيرة» إلى فضل الإحسان إلى الأقارب في الشهر الفضيل قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء، وقال تعالى: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (184) سورة البقرة.
وفيها من العلم صِلة الرِّحِم خُلُق إسلامي رفيع، دعَا إليه الإسلام وحضَّ عليه، فهو يربِّي المسلم على الإحسان إلى الأقارِب وصِلتهم، وإيصال الخيرِ إليهم، ودفْع الشرِّ عنهم؛ وقال المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم -:((إنَّ الله خَلَق الخَلْق حتى إذا فرَغ مِن خلْقِه قالتِ الرَّحِم: هذا مقامُ العائذ بك مِن القطيعة، قال: نعَمْ، أمَا ترضين أن أصِلَ مَن وصلَك وأقطَع مَن قطعك؟ قالت: بلى يا ربِّ، قال فهو لك، قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: فاقرؤوا إنْ شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (22) سورة محمد).
وأبان العبيلان أن لصِلة الرَّحِم صورٌ متعدِّدة؛ منها: زيارة الأرْحام وتفقُّد أحوالهم، وتوقير كبيرِهم، ورحمة صغيرهم، وصِلة القاطع منهم، والتصدُّق على فقيرِهم، وقدْ خصَّ النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم-الصدقةَ على الأرحام بقوله: ((إنَّ الصدقةَ على المسكين صَدقةٌ، وإنَّها على ذِي الرَّحِم اثنتان: صَدَقة، وصِلة))، وأَوْلى الأرحام بالصِّلة الوالِدان، ثم مَن يليهما مِن الأهل والقَرابة، وقدْ أعدَّ الله تعالى الأجْر الكبير والثواب الجزيل لِمَن يصِل رَحِمه، فإنَّ من أعظم ما يجازي به الله تعالى واصلَ الرحم في الدنيا أن يوسِّع له في الرزق، ويبارك له في العمر؛ قال-عليه الصلاة والسلام-: ((مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقه، أو يُنسَأ له في أثَرِه، فليصلْ رَحِمَه)).
أمَّا قطيعة الرِّحِم فهي كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وقد رتَّب الله العقوبةَ والطَّرْد من رحمته لِمَن قطَع رحمه؛ قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (22-23) سورة محمد، وقدْ قال عليُّ بن الحسين لولده: يا بني، لا تصحبنَّ قاطعَ رَحِم فإنِّي وجدتُه ملعونًا في كتاب الله في ثلاثةِ مواطن. مشدداً على أنه ليس أعظمُ مِن أنَّ قاطع الرَّحِم تُعجَّل له العقوبة في الدنيا؛ قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما مِن ذنب أجْدرُ أن يُعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدخّر له في الآخِرة مِن البغي وقطيعة الرَّحِم))، أمَّا في الآخرة فقدْ قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعُ رحِمٍ)).
وقد يتعذَّر البعضُ بأنَّه يصِل رحمه وقرابتَه، ولا يجد منهم مثيلَ صِلة، بل يجد مِن الجفوة والصدود ما يصرِفه عن صِلتهم، فيقطع الصِّلة برَحِمه؛ يقولُ نبيُّ الرحمة - صلَّى الله عليه وسلَّم -عن ذلك: ((ليسَ الواصِلُ بالمكافِئ، ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قُطِعتْ رَحِمُه وصلَها))، ولا أفضل مِن شهر الرحمة مِن أن يتقرَّب المسلمُ فيه لربِّه بصِلة رحِمه؛ ابتغاءً لمرضاتِه وعظيم ثوابه، وإزالة لما قدْ يقَع في النفوس مِن شحناء، فالمبادَرة بالزيارةِ والصِّلة وإنْ كانت شاقَّة أحيّاناً على النفس، ولكنَّها عظيمةُ القدْر عندَ الله.