بدر أبو نجم
تأكدوا من قتلي جيداً ولا تهربوا من المكان حتى تضيفوا رصاصة أخرى في رأسي، ربما الرصاصة التي استقرت في قلبي لن تقتلني.. تأكدوا جيداً من قتلي ومن قتل رفيقي في الشارع الآخر. فمنكم الرصاص ومنا الدماء، أنتم الخوف ونحن الرعد، أنتم الرماد ونحن النار، نحن السابقون واللاحقون والصابرون والأوابون.. نحن القابضون على جمر الصبر.. نحن الذين عاهدنا العالم بأن نكون كما الآن، أجساد ملقاة في شوارع جنين ونابلس، نحن الذين عاهدنا من قتلنا بأن نحفظ مسافة الصفر بينه وبين رصاصته. فمنكم الرصاص ومنا الأجساد.
انتظرتك أمك بعضاً من الوقت لكنك لم تأتِ بعد، قالوا إنك مصاب في أحد شوارع المدينة المتعبة من الحزن والموت. لم تأتِ بعد يا قرير العين. لقد اعتدت لك الطعام الذي تحب، هم لا يعرفون مرارة الفراق قل لهم إنني بانتظارك، أريد أن أودعك ولو لثوانٍ معدودة قبل الرحيل لا تذهب دون أن تودعني.. أرجوك لا تفعل ذلك.. لن يقتلوك الآن أليس كذلك يا بني؟
سبقتك إلى سوق المدينة لأشتري لك بدلة العرس. أعرف مقاسك جيداً، اذهب إلى الحلاق لقص شعرك، سنستعد لعرسك سريعاً فلا وقت لدينا.. لا وقت هنا بين الحياة والموت؛ سوى مسافة رصاصة، يسرق الناس هنا من العمر فرحة إن استطاعوا إليها سبيلاً.
لا وقت يا أمي لأعود إليك سريعاً، ولا وقت لدى القاتل كثيراً.
لقد انتظرني كثيراً وها هو أمامي، لا أحتاج يا أمي إلا أن لا تبكي كثيراً.. إبكِ بقدر مسافة رصاصة.
عاهديني أن لا تحتضني بدلة العرس كثيراً.
عاهديني أن لا تشمي رائحة العطر المعتق في الخزانة، عاهديني أن لا تعاتبيني كثيراً.
عاهديني أن لا تقلبي ملابسي في الخزانة.. عاهديني أن تظلي مبتسمة كابتسامتي أثناء الموت.
عاهديني أن لا تنتظريني كما الموت، فلا فراق أشهى من الجنة.
هنالك يا أمي مواسم للقتل وأخرى للفرح، ومواسم للألم وللقاء، هنالك قاتلون يجيدون القتل في بلادي؛ لا وقت هنا يا أمي بين الطفل والرصاصة، لا وقت محدد للقتل في بلادي، هنا لا تتعب السواعد من حمل الشهداء. هنا يتسع المكان لكل شيء؛ هنا مكان للشهداء ومكان للحزن والبكاء، هنا في بلادي متسع للفرح أيضاً وآخر للبارود.. هنا بلادي تتسع لكل شيء.