خالد بن حمد المالك
في المقال السابق تحدثت عن المظاهرات في فرنسا، وما صاحبها من عنف وتخريب، وقلت إن ما يعنينا في التعليق على ما جرى ما قاله لي (صديق سعودي) بأن حواراً جرى بينه وبين أحد الفرنسيين حول هذه الفوضى في التعاطي مع تعديل قانون التقاعد في فرنسا، وأن الفرنسي تساءل باستغراب عن عدم السماح للمظاهرات الاحتجاجية بالمملكة، وكان رَدُّ الصديق السعودي عليه بأن الملك سلمان يحب شعبه، وأنه لا يريد إغضابه، ولهذا فهو لا يسمح بالمظاهرات التي تقود إلى التخريب، والعنف، وفقدان الأمن، وتمتد إلى ما هو أكثر من ذلك.
* *
اليوم أضيف ما تبقى من كلام صديقي (عبدالله الكريديس) في ردِّه على صديقه الفرنسي، مما لم يرد في الجزء الأول من هذا المقال الذي نشر يوم الاثنين الماضي، فقد قال صديقي لصديقه: الحمد لله أن ثقافة المظاهرات الاحتجاجية غير موجودة في المملكة كما هي في فرنسا، وكان ردُّه أنكم إذاً بلاد بلا ديمقراطية، ليسرع صديقي بالرد عليه، بأن عندنا منطقاً، ومن ثم فلسنا في حاجة إلى مظاهرات احتجاجية، والملك سلمان يبحث عن كل ما يسعد شعبه، وأنتم في تعديل قانون التقاعد بزيادة المدة سنتين خرّبتم بلادكم، لم يعجبه كلامي، ولكن قبل أن نفترق قلت له أيضاً إن المواطن السعودي إذا احتاج إلى مقابلة الملك تُلبى رغبته ويقول للملك بما يرغب، وفي فرنسا الديمقراطية لا يستطيع المواطن الفرنسي أن يقابل عمدة باريس، فضلاً عن أن يقابل رئيس الجمهورية.
* *
هذا النوع من الحوار تمّ بين عقليتين سعودية وفرنسية، ومثلها يتكرر دائماً كلما كان هناك لقاءٌ ولو عابراً بين السعوديين وغيرهم، وهي تنطلق من استيعاب السعودي للتميز الذي تتمتع به أنظمة وتقاليد التعامل بين المواطن وأعلى سلطة في البلاد، وأن هذه التجربة الثرية على مستوى المملكة بين الحاكم والرعية هي نتاج علاقة تاريخية أصيلة تتوارث من جيل لجيل بين المواطن وقيادته.
* *
وإذا كانت هناك مطالب ومعالجتها لا تتم إلا بمظاهرات احتجاجية، فهذه هي الديمقراطية الزائفة في نظر المواطنين السعوديين، حيث التخريب، والعبث بمصالح الناس، وإذا كان أخذ حق المظلوم، وإنصافه، وضمان العدالة، وإحقاق الحق، وتعميم الرخاء هي من يحقق له مطالبه، فإن هذه هي الديمقراطية الحقيقية التي تطبق في المملكة، وفي الأساس فإن الهدف الأسمى هو أن تُحقق مطالب الناس قبل أن يطالبوا بها، وهذا ما يحدث في المملكة.
* *
ولو سألت عاقلاً، أيهما تفضل ألا تحصل على حقوقك إلا بمظاهرات، أو أن تأتي دون انتظار ودون مظاهرات، لكان الأخير هو الخيار، خاصة إذا أدركنا بأن أي مظاهرة احتجاجية لن تنتهي دون تخريب ودماء، وهو ما تتجنبه المملكة، ويجمع عليه المواطنون ويتقبلونه، بل إن المواطن ينأى بنفسه عن أي مخالفة أو سلوك أو تصرف يؤذي به نفسه وغيره.
* *
أنا لا أجرّم ما يجري في فرنسا وغيرها من الدول فهذا شأنهم ولكل دولة خياراتها، وأنظمتها، وقوانينها، لكني هنا أسلط فقط الضوء على تجربتين، وبالشواهد، والنتائج، والتداعيات اللاحقة، للتأكيد على أن ما تسير عليه المملكة وفَّر للمواطنين الأمن، والاستقرار، وحفظ حقوقهم، ومنع الظلم عن أي أحد منهم، وهذا مالا توفره المظاهرات الاحتجاجية بالدليل والشواهد.