في دهاليز الذاكرة
يسير ذلك الجندي وحيداً
بعد أن دفن رفاقه
يمضي بالزمن عائداً للخلف
يمضي ويضمحل جسده
يتقلص شعوره بالفراغ
يرى في الممرات
صوراً لأطفال مشردين
يبحثون عن قوت يومهم في الشارع
يرى أركان البيوت
تسكنها الآلام
يرى الأمهات تخيط وتغسل وتطبخ
وحبات العرق تتساقط عن جباههم
نحو القدور
تقفز نشوة كاللؤلؤ
فيبكي وحيداً
وتمتد الأيادي من زمن غابر
لتلتقط دموعه العذبة لا المالحة
يُظل جسده من حمم النور
فيحيط بذراعيه باقي أعضائه
يمشي ببطء
كمن يحاول أن يستعيد شعوره القديم
في الممر
هناك طفولة،
هُناك
حب، عطف، صبر،
لم يعد يعرف كيف يلبسها روحه من جديد
يتأمل المرايا،
- تخبره أحزانه
تولد الدهشة من النظرات التائهة
من ضياع الجسد في العتمة
من ملمس النعومة في حنان الأمهات
- من يعيده حيث دهشته الأولى؟
حيث كانت الحلوى برهاناً على الفوز
وحيث تبكي الأعين فرحاً بالمطر
ينظر من جديد
وتتلاشى الدهشة في السواد
ويدرك أن حلماً رائعاً
قد لفه لثانية
وأضاء نوراً في طريقه
نوراً من آثار الأقدام
هناك من يريد أن يتبعه
يمد يده للظلام
يمسك بيد العتمة
ويغمض عينيه من جديد
ليتلمس آثار النور
إنه يبحث عن إشارة الآن
في شاشة ظلمته الحمراء
يفتح عينيه مرة أخرى
ويركض
نحو اللا نهاية
نحو الفضاء المليء بالحكايا
حيث تظل المرايا أبداً تُظهر له الذكريات
دون انتهاء
فيتكسر جسده في الضوء
مُحدثاً ضجيجاً أصم
** **
- علا الحوفان