غمس الجاحظ ريشته في الدواة قبل أكثر من 1000 عام ودبج كتابه البخلاء على أطنان من الجلود. وبعد ذلك بقرون حينما جُلبت المطبعة إلى العالم العربي طُبع البخلاء على الورق بطباعة أنيقة وبغلاف فاخر.
الآن بإمكاني وفي ثوانٍ معدودة ودون الحاجة إلى الذهاب للمكتبة وعبر جهازي الذكي بكبسة زر من غوغل أن احصل على كتاب البخلاء وكل مؤلفات الجاحظ بصيغة (PDF).
إذاً بتنا بإزاء ثلاثة طرز لنفس الكتاب:
البخلاء بالجلود، والبخلاء بالورق، والبخلاء بصيغة إلكترونية.
في النهاية المحتوى واحد في الطرز الثلاثة بيد أن الاختلاف في الطراز.
كان الكتاب جلدا، ثم ورقا، وأصبح اليوم على شاشات الأجهزة الإلكترونية.
وقس ذلك على كل كتاب في التراث العربي كالأمالي وعيون الأخبار والعقد الفريد ..الخ.
صحيح أن الكتاب الورقي مازال حيا ولم يمت وما زال يحظى بشعبية وله أنصار، بيد أن لكل عصر تكنولوجيا خاصة به، والله أعلم كم سيصمد الكتاب التقليدي؟.
حتى طريقة المعرفة التقليدية في ظني ستندثر أو لعلها ستنحسر.
المعرفة ستنتقل من الورق والكتب للشاشات، كما انتقلت من الجلود للورق.
بلا مثاليات زائفة وبواقعية أصبح الجوال أسلوب حياة نظرا لتعدد استعمالاته وخدماته، ثمة أمور حياتية ومعيشية ووظيفية وحوائج لا تُنجز إلا به، ولذا من الطبيعي أن يظل بأيدينا الساعات الطوال، ولاأراه إدمانا.
لم يعد الجوال هاتف ورسائل اس ام اس فقط. الجوال في الجانب المعرفي فقط ناهيك عن الجوانب العملية والحياتية الأخرى هو مكتبة ضخمة وتلفاز ومحرك بحث، يمدك بأي معلومة في ثوانٍ (مولد قائد عسكري، تذكر بيت شعري، اسم مخترع)، وفيديوهات في العلم والمعرفة والثقافة، وكراسة للكتابة، وبريد إلكتروني، وتصفح للجرائد ..إلخ.
فالكلاسيكيات والروائع من الكتب بمختلف التخصصات باتت بكبسة زر:
Download ثوانٍ وتحصل على الكتاب الذي تريد.
أمهات الكتب العربية، وروائع الأدب العالمي، وآلاف الكتب القيمة، ستقرأ لكتّاب عرب وكتّاب عالميين، ستقرأ لابن المقفع والقالي والثعالبي وهوميروس وشكسبير وسرفانتس وهمنجواي والعقاد وطه حسين وديستويفسكي وماركيز إلخ.
وأيضا أوفر اقتصاديا، التحميل مجانا، فثمة كتب من كتب التراث مكونة من عدة أجزاء، وفي المكتبات التجارية لايباع الكتاب إلا بكل أجزائه، وربما حاجتك المعرفية من هذا الكتاب تكون في أحد أجزاء الكتاب، وتحميل الكتاب إلكترونيا سيجعلك تتجه فورا نحو المعلومة المطلوبة بشكل أسرع من الكتاب الورقي.
لندع غوغل ونذهب إلى اليوتيوب. اليوتيوب هو أشبه بجامعة مفتوحة، كما أن اليوتيوب يتفوق على الكتاب بكونه صوتا وصورة وأيضا غالبا يوفر الوقت، لأنه يعطيك الخلاصة، مقطع من ربع ساعة مثلا يمدك بنبذة عن الحضارة الإغريقية تغنيك عن قراءة عشرات الصفحات.
في فيديوهات قصيرة كل فيديو مكون من 15-20 دقيقة تثقف نفسك سيصبح لديك إطلاع جيد عن سقراط وماو تسي تونغ والمتنبي وصلاح الدين الأيوبي وعنترة بن شداد وملخص عام عن الخلفاء العباسيين والثورة البلشفية إلخ.
حتى الجاحظ لو قام من قبره سيأخذ بتقنيات عصرنا، سيقتني فورا تابلت أو آي باد، وسينشئ قناة له في اليوتيوب، وسيترك الكتب والأوراق، وسيكتب حتما بالكيبورد، وسيرمي بالريش وأقلام القصب والمحابر والجلود في أقرب برميل للزبالة.
** **
- عبدالله المسيان